وكان هذا القرار الصادر من مجلس شورى القوانين حديث الصحف عامة والوطنية خاصة ولم ترفضه واحدة منها وإن اختلفت في التعليق عليه، وكان اللواء أول ما عنى به واهتم له ودعا إلى تحقيقه وإن كان في نظرها لا يحقق جميع الأماني الدستورية.
ومهما يكن الإخفاق الذي أصاب هذه الحركة فإن الصحافة المصرية جعلت الفكرة الدستورية غاية من الغايات الوطنية، وفرضت إيحاءها على المجالس النيابية المصرية وصورت بمقالاتها الحكم القائم في نظر الناس حكمًا غير عادل، وجعلت الجماهير تفكر في أشياء معنوية لم تكن تعني بها بجانب عنايتها بحياتها المادية اليومي، ولم يعد الجلاء وحده الغاية الأولى والأخيرة بل أصبحت فكرة الحياة الدستورية ملازمة للجلاء في ذلك الوقت وبعد ذلك الوقت بسنوات.
وقد برم جورست بالحالة التي خلقتها الصحافة الوطنية، فهو يتحدث في تقريره عن مجلس الشورى في سنتي 1908 و1909 حديثًا ملؤه الحنق على معارضة هذا المجلس معارضة "تحشو بها أعمدتها الصحافة الوطنية المعادية للحكومة" ويقول عن خطر هذه الصحافة في موضع آخر "وموطن الضعف في المجلس الآن هو السهولة التي يلقاها المتطرفون في اقتياد معظم الأعضاء وتضليلهم وشدة اهتمام جميع الأعضاء باجتناب الطعن فيهم في الصحف العربية واتهامهم بضعف الوطنية وهذا الطعن يصيب كل من يؤيد اقتراحات الحكومة ولو تأييدًا ضعيفًا"1.
ثم استقالت عقب هذا وزارة مصطفى فهمي باشا وهي وزارة بقيت موالية للإنجليز زهاء ثلاثة عشر عامًا ولم تكن حريصة على ود الخديوي في يوم الأيام، فكان طبيعيًّا أن تنقذه منها سياسة الوفاق الجديدة، وقد ولى الوزارة بطرس باشا غالي2، وحمل عليها "اللواء" بعد ولايتها شئون مصر