وأديب إسحاق يعبر في هذه المقال وفي غيره أصدق التعبير عن التيارات الفكرية التي تخالف تفكير حمزة فتح الله ومن على شاكلته، وهو يشتد على هؤلاء الرجعيين الذين يسفهون الرأي الحر كما يقسو على أبواق الأجنبيين من أصحاب الصحف العربية الذين يعيبون على الوطنيين تطرفهم "فالحزب الوطني غير متعصب إلا لوطنيته، والحزب الوطني غير معاد إلى الخائنين، يروم إحياء مصر لسكان مصر وترومون إماتتهم جميعًا يا أيها اللؤماء، ويريد أن يكون المصري في مقام الإنسان مستقلًا بوجوده متمتعًا باستقلاله فائزًا بحقوقه ناهضًا بواجباته، وتريدونه بمنزلة الحيوان يساق للحرث فإن عجز فللسلخ، ويطلب أن يكون الوطني آمنًا في داره مساويًا لجاره يستغل زرعه ويستدر ضرعه، وتلتمسون أن يكون غريبًا في آله مصادرًا بماله يطعم من يحرمه ويؤمن من يروعه ويحفظ من يضيعه ويصون من يبيعه"1.
ووسط هذه المسائل العامة التي فرغت لها الصحف المصرية لم تنس أن لها حقوقًا فأخذت تفكر في حالها وآمالها، فالمطالبة بقانون للمطبوعات ينظم أمورها من أغراض الصحافة المصرية منذ أيام إسماعيل، فلا غرو إذ تحدثت عنه اليوم وألحت في المطالبة به، وهي تختلف في شأنه، فبعضها يريده قانونًا حرًا "كمصر" وبعضها يريده صورة يرضاها الشيخ حمزة فتح الله في مقال له عن "اليراع"2 وبعضها يرجوه وفي من التضييق ما يلزم بالتزمت، وأكبر الظن أن المحرر -وهو هنا سليم النقاش صاحب "المحروسة"- لم تسعفه ثقافته الضيقة بهضم المعاني الحرة الموجودة في القانون المطلوب، فقد رأى أن يكون في التشريع ما يضطر الصحف إلى الاعتدال، وأن تراعي فيه حالة البلاد وأطوارها الأدبية والسياسية، وأن يحول القانون دون حرية الصحافة في شئون مصر الخارجية وخاصة ما اتصل بالدول الصديقة، وهو يرجو ألا يستمد القانون أصوله من القوانين المعمول به في فرنسا وانجلترا