الشعب لحكم نفسه، وتأهيله لتملك المسئولية الكبيرة؛ وذلك بتنويره وتثقيفه، وبتعويده نظم الحكم الحديثة، ومن هنا شغل أصحاب هذا الاتجاه أنفسهم أولًا بالإصلاح الفكري والاجتماعي والسياسي، وعملوا على أن يقوم في مصر حكم ديمقراطي، فيه وزارة من المصريين تزاول عملها على أساس المسئولية البرلمانية، وفيه برلمان يمثل الشعب، ويراقب أعمال الوزارة وباقي السلطات.
وكان هذا الاتجاه ممثلًا في حزب الأمة، ويتزعمه لطفي السيد، الذي اتخذ صحيفة الجريدة لسانًا لحاله1.
ويلاحظ أن أصحاب هذا الاتجاه الثاني، كانوا -في جملتهم- من كبار الملاك وأبنائهم، وكانوا بين مستمدين لنفوذهم مما تحت أيديهم من إقطاع كبير، مثل محمود سليمان رئيس حزب الأمة؛ وبين مستمدين لنفوذهم مما في رءوسهم من ثقافة واسعة، مثل لطفي السيد محرر الجريدة، وقاسم أمين أحد مفكري الحزب.
على أن الجميع كانوا يعتقدون أنهم أصحاب المصالح الحقيقية في مصر، وأنهم أحق بالحكم والسلطان، وتولي شئون البلاد من الأتراك وأسرة محمد علي، ومن هنا أخذت سياستهم هذا الاتجاه الذي يهدف أقرب ما يهدف إلى الإصلاح السياسي الداخلي ونيل الدستور، وأخذ أكبر قسط من السلطة التي في يد الخديوي، ومن هنا لم يكن أصحاب هذا الاتجاه في تحمس أصحاب الاتجاه الأول، لإخراج الإنجليز2، وإن كانوا لم يقروا بقاءهم بطبيعة الحال3.