الحارة المتدفقة، لا بالبيان المنمق، ولا بالذهن المتفلسف، وسوف تتضح تلك التسمية بصورة أكثر جلاء، حين أعرض للخصائص الفنية لهذا الاتجاه1.

أما تلك الظروف التي هيأت التربة لظهور هذا الاتجاه، وجعلت منه اتجاهًا ضروريًّا -في ذلك الحين- لسد الفراغ في الحياة الفنية، فأهمها ذلك الصراع الذي كان قد احتدم بين المحافظين البيانيين وعلى رأسهم شوقي، وبين المجددين الذهنيين وعلى رأسهم العقاد، فهذا الصراع الذي بدأ في أوائل القرن العشرين، ووصل إلى ذروته مع كتاب "الديوان" سنة 1921 2 قد كشف القناع عن محاسن كل من الاتجاهين ومساوئهما، فاتضح أجمل ما في الاتجاه البياني من روعة الأسلوب وجمال الصياغة، ورونق الموسيقى، ومائية الشعر، واتضح كذلك أجمل ما في الاتجاه الذهني من اهتمام بالصدق الفني، والتفات إلى الجانب الوجداني، واتجاه إلى التعبير عن نزعات النفس، وحقائق الكون، وأسرار الطبيعة، هذا إلى الاهتمام بالوحدة العضوية، والصورة الشعرية. كذلك برز -من خلال هذا الصراع- أقبح ما في الاتجاهين، من تأس لخطى السابقين، واتجاه إلى المناسبات، وميل إلى الخطابية عند المحافظين3، ومن برود ذهني، وجفاف شعري، وميل إلى العقلانية عند المجددين4، ومن هنا كانت الفرصة متاحة أمام جيل الشباب من الشعراء لكي يختار أحسن ما في الاتجاهين، ويتجنب أسوأ ما فيهما، وأن يمزج بين محاسن كل حين يقول شعرًا يريد له أن ينجو مما تورط فيه الجيلان السابقان من محافظين، ومجددين على السواء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015