بعد سنوات من مبدأ تلك الفترة، وبعد أن أصيب الاتجاه الشعري الأول بالتجمد1، ومنى الاتجاه الثاني بالانحسار2، كانت الظروف مهيأ لنشأة اتجاه شعري ثالث؛ فنشأ هذا الاتجاه ليعوض بحرارته وانطلاقه ما أصاب الحياة الشعرية من تجمد على أيدي البيانيين، ومن انحسار على أيدي الذهنيين.
وإذا كنت قد سميت الاتجاه الأول "الاتجاه المحافظ البياني" نظرًا لميله إلى المحافظة على القيم الشعرية التي خلفتها عصور الازدهار، ثم لاهتمامه بالناحية البيانية -قبل كل شيء- في التعبير الشعري3، وإذا كنت قد سميت الاتجاه الثاني "الاتجاه التجديدي الذهني"، نظرًا لاهتمامه بالتجديد في مفهوم الشعر وأسلوبه ووظيفته، ثم لإبرازه الجانب الفكري في مضمون الشعر4؛ أقول: إذا كنت سميت الاتجاهين السابقين على هذا النحو، فإنني أميل إلى تسمية هذا الاتجاه الثالث "الاتجاه الابتداعي العاطفي"، نظرا لكون الشعر السائر في هذا الاتجاه لا يتسم بالتجديد فحسب، وإنما يتجاوزه إلى الابتداع المنطلق المتحرر، ثم لكون هذا الشعر يجيش بالعاطفة