وفي هذا التصريحُ بالنهى عن البناء على القبور، وهو يصدق على ما بُنِي على جوانب حفرة القبر، كما يفعله كثيرٌ من الناس من رفع قبور الموتى ذراعاً فما فوقه؛ لأنَّه لا يُمكن أن يجعل نفس القبر مسجداً، فذلك مِمَّا يدلُّ على أنَّ المراد بعض ما يقربه مِمَّا يتصل به، ويصدُق على من بنى قريباً من جوانب القبر كذلك، كما في القباب والمساجد والمشاهد الكبيرة، على وجه يكون القبر في وسطها أو في جانب منها، فإنَّ هذا بناء على القبر، لا يخفى ذلك على من له أدنى فهم، كما يقال: بَنَى السلطانُ على مدينة كذا، أو على قرية كذا سوراً، وكما يقال: بَنَى فلانٌ في المكان الفلاني مسجداً، مع أنَّ سمكَ البناء لم يباشر إلاَّ جوانب المدينة أو القرية أو المكان، ولا فرق بين أن تكون تلك الجوانب التي وقع وضع البناء عليها قريبة من الوسط، كما في المدينة الصغيرة والقرية الصغيرة والمكان الضيق، أو بعيدة من الوسط كما في المدينة الكبيرة والقرية الكبيرة والمكان الواسع، ومَن زعم أنَّ في لغة العرب ما يَمنع من هذا الإطلاق فهو جاهلٌ لا يعرف لغةَ العرب، ولا يَفهم لسانَها ولا يدري بما استعملته في كلامها.
وإذا تقرَّر لك هذا علمتَ أنَّ رفعَ القبور ووضع القباب والمساجد والمشاهد عليها قد لَعَنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فاعله تارة، كما تقدم، وتارة قال: "اشتدَّ غضبُ الله على قوم اتَّخذوا قبورَ أنبيائهم مساجد"، فدعَا عليهم بأن يشتدَّ غضب الله عليهم بما فعلوه من هذه المعصية، وذلك ثابت في الصحيح1، وتارة نهى عن ذلك، وتارة بعث مَن يهدمه،