هو قدر من عند الله، نعم، مقدر في كتابه من قبل أن يبرأ السموات والأرض، لكنه جرى بما كسبت أيد المؤمنين يومئذ، {قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} . بمخالفتهم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قائدهم ونبيهم ومعلمهم، فأصابهم ما أصابهم في ذلك اليوم بقدر من الله وبفعل من أنفسهم، كذلك ما أصابهم في ذلك أصاب المسلمين في القرون الثلاثة الأخيرة إنه جرى بقدر من الله، ولكنه جرى من خلال أعمال المسلمين، فماذا عمل المسلمون في تلك القرون بالذات مما أورثهم هذا الهزال، وهذا الهوان، وهذا الضعف وهذا الذل الذي عاشوا فيه في القرن الأخير بصفة خاصة؟

بكلمة مختصرة: لقد حادوا عن طريق الله، فإن أردنا أن نفصل هذه الكلمة شيئا من التفصيل، فلنراجع مفاهيم الإسلام وقواعده وأركانه، كيف نزلت من عند الله سبحانه وتعالى؟ كيف فهمها الصحب الكرام رضي الله عنهم ورضوا عنه؟ كيف قامت بها تلك الأمة التي وصفها خالقها سبحانه، بأنها كانت {خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} .. ثم كيف تحولت هذه المفاهيم، هذه الأركان، هذه المعاني الإسلامية في نفوس المتأخرين من المسلمين، وأبدأ بالركن الأكبر والأعظم من أركان الإسلام. الركن الذي يدخل به الناس الإسلام. "لا إله إلا الله.. محمد رسول الله". ذلك ركن الإسلام الركين، ركنه الأول، قبل الصلاة والزكاة والصوم والحج، قبل كل شيء، هذا الركن الأساسي الذي ينبني عليه الإسلام، انبنى في الماضي، وينبني في الحاضر، وينبني في المستقبل، وبغيره لا يتم بناء على الإطلاق، كيف كانت "لا إله إلا الله" في حس هذا الجيل الأول الذي استحق وصف الله بكامله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} ذلك الجيل الفريد الذي لم يتكرر في تاريخ البشرية، كيف نشأ؟ بم تفرد هذا التفرد في التاريخ كله؟ هل كانوا بشراً غير البشر؟ كلا والله، لقد كانوا بشراً تجري بشريتهم في عروقهم، في سلوكهم وفي أعمالهم، هم في كل لحظة بشر، ولكنهم بشر على الصعيد الأعلى. بشر في أعلى آفاق البشرية، فبم استطاعوا أن يصعدوا إلى ذلك الأفق السامق؟ بأي شيء ارتفعوا حتى استحقوا أوصاف الله لهم؟ ارتفعوا باستيعاب هذا الركن الأول بصفة خاصة، باستيعاب "لا إله إلا الله محمد رسول الله" استيعابها إلى أعمق أعماقهم، والسلوك بها في واقع الحياة في كل لحظة من لحظاتهم.

ليست "لا إله إلا الله" تلك الكلمة العابرة التي صارت إليها في حس المسلمين المتأخرين، كلمة يقولونها، يظنون أنهم بها حازوا الإسلام وهم بعيدون عن معناها، بعيدون عن مقتضاها، بعيدون عن منهجها الشامل التي يشمل الحياة كلها، يقولونها بألسنتهم، وقلوبهم وعقولهم غافلة عنها، وسلوكهم الواقعي مخالف لها أتم المخالفة. وأي مخالفة أكبر وأعظم من أن يحكم المسلمون بشريعة غير شريعة الله وهم ينطقون "لا إله إلا الله"؟ ما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015