وأخرج ابن جرير هذه الحادثة بألفاظ أخرى عن قيس بن أبي حازم قال: صعد أبو بكر منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، إنكم لتتلون آيةً من كتاب الله وتعدونها رخصة، والله ما أنزل الله في كتابه أشد منها: {يا أَيُّهَا الذينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ}. والله لتأمُرُنَّ بالمعروف ولتنهَوُنَّ عن المنكر، أو لَيَعُمَّنَكُم الله منه بعقاب.
وروى الترمذي وابن ماجه وآخرون عن أبي أمية الشعباني قال: أتيت أبا ثعلبة الخشني، فقلت له: كيف تضع هذه الآية؟ قال: أية آية؟ قال: قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}. قال: أَمَا والله، لقد سألتَ عنها خبيراً، سألتُ عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر، حتى إذا رأيتَ شُحاً مُطاعاً، وهوىً متَبَعاً، ودنيا مؤثَرة، وإعجاب كل ذي رأيٍ برأيه، فعليك بخاصة نفسك، ودع عنك أمر العوام. فإن مِن ورائكم أيام الصبر، الصابر فيهن مثل القابض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عملكم.
وأخرج ابن جرير عن جُبَيْر بن نُفَيْر قال: كنت في حَلَقة فيها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وإني لأصغر القوم. فتذاكروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقلت: أليس الله يقول: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ}، فأقبلوا عليّ بلسانٍ واحد، فقالوا: أتنزع آيةً من القرآن، لا تعرفها ولا تدري ما تأويلها؟ حتى تمنيت أني لم أكن تكلمت. ثم أقبلوا يتحدثون، فلما حضر قيامهم قالوا: إنك غلامٌ حدث السن، وإنك نزعت آية لا تدري ما هي، وعسى أن تدرك ذلك الزمان. إذا رأيت شحاً مطاعاً، وهوىً متَّبَعاً، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بنفسك، لا يضرك من ضلَّ إذا اهتديت.
وأخرج ابن مردويه عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ما ترك قومٌ الجهاد في سبيل الله،