المصلحةُ خيرٌ، والخيرُ ما يُتَوصَّلُ بهِ إلَى المَطْلوبِ، فالمصلحةُ ما يُتَوصَّلُ بِه إلَى المَطْلوبِ.
ومِن اسْتِعْمالِها فِي هذا المَعْنَى قولُ الشَّيخَينِ أَبِي بَكْرٍ وعُمَرَ رضيَ اللَّهُ عنهما: (هوَ واللَّهِ خيرٌ) في شأنِ جَمْعِ القُرآنِ الكرِيمِ في المُصْحَفِ حِينَما اسْتَحَرَّ القتلُ بالقُرَّاءِ يومَ اليَمامَةِ، فالضَّميرُ في َقولِهما: (هُوَ) يعودُ إلًى جَمْعِ القرآنِ، ولا شكَّ في أنَّ جَمْعَ القرآنِ مُؤَدٍ إِلى مَطْلوبٍ لهما، بَلْ إلى مَطْلوبٍ عامٍّ وهوَ حِفْظُ القرآنِ الكريمِ مِن أنْ يَضيعَ.
الثَّالِثُ: تُطلَقُ المصلحةُ علَى ذاتِ الفِعْلِ الجالِبِ لِلنَّفْعِ والدَّافِعِ لِلضَّررِ، فإطْلاقُ المصلحةِ علَى الفِعلِ إطْلاقٌ مَجازِيٌّ، مِن بابِ إطْلاقِ المُسَبَّبِ علَى السَّبَبِ، وعَلاقَتُه السَّبَبِيَّةُ والمُسَبَّبِيَّةُ، فأُطْلِقَ لفظُ المصلحةِ الَّتي هي حاصلةٌ بسببِ الفِعلِ علَى الفِعلِ الَّذي هوَ سببٌ لها، فيُقالُ: التِّجارَةُ مَصلَحةٌ؛ أي: َسببٌ لِلمَنافِعِ المادِّيَّةِ، وطَلبُ العِلْمِ مَصلحةٌ، بمعنَى أنَّه سببٌ لِلمَنافِعِ المَعْنَوِيَّةِ، فالمَصلحةُ ضِدُّ المَفْسدَةِ فهُما نَقيضانِ لا يَجتمِعانِ ولا يَرتفِعانِ، كما أنَّ النَّفْعَ ضِدُّ الضَّررِ، وعلى هذا يكونُ دفْعُ المَضرَّةِ مَصْلحةً.
قالَ صاحبُ (لِسَانِ العَرَبِ): الصَّلاحُ ضِدُّ الفَسادِ، وأصْلَحَه ضِدُّ أفْسَدَه، والإصْلاحُ نقيضُ الإِفْسادِ، والمصْلحةُ واحدةُ المَصالِحِ، والاسْتِصْلاحُ نَقيضُ الاسْتِفْسادِ. اهـ.
والمصلحةُ بِمعْناها الأَعمِّ كَما يَتصَوَّرُها الإنسانُ: كلُّ ما فيه نفْعٌ له سَواءٌ أكانَ بالجَلْبِ والتَّحْصيلِ كتَحْصيلِ الفَوائِدِ واللَّّّّّّذائذِ، أوْ بالدَّفْعِ والارْتِقاءِ كاسْتِبْعادِ المَضارِّ والآلاَمِ، فكُلُّ ما فيهِ نَفْعٌ جدِيرٌ بأنْ يُسمَّى مَصلَحةً.
وقدْ عرَّفَها الأُصُولِيُونَ في مَوضِعَينِ:
الأوَّلُ: عندَ الكَلامِ على المُناسِبِ المُرْسَلِ، فقالوا: هو الوَصْفُ الظَّاهِرُ المُنضَبِطُ