بالتعقيبِ: ما يُعَدُّ في العادَةِ تَعْقِيباً لا على سَبيلِ المُضَايَقَةِ، قَرُبَ الفِعْلَيْنِ بعدَ الثانِي عَقِبَ الأوَّلِ عادَةً، وإنْ كانَ بينَهما أزمانٌ كثيرةٌ كقولِه تعالى: {خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً} الآيةَ، ونَصَّ الفارسيُّ في (الإيضاحِ) على أنَّ ثمَّ أَشَدَّ تَراخِياً من الفاءِ، وهذا يَدُلُّ على أنَّ الفاءَ فيها تَرَاخٍ، ووجْهُهُ ابنُ أَبِي الرَّبِيعِ بأنَّ الاتصالَ يكونُ حقيقةً ومجازاً، فإذا كانَ حقيقةً فلا تَرَاخِي فيه وإذا كانَ مجازاً ففيه تراخٍ بلا شَكَّ، نحوَ: دَخَلْتُ البَصْرَةَ فالكوفةَ، وقد يكونُ التراخِي قليلاً، فيكونُ كالمُسْتَهْلَكِ، وتَوَسَّعَ ابنُ مَالِكٍ فذَهَبَ إلى أنَّها تَكونُ مَعهَا مُهْلَةٌ، كـ (ثمَّ) كقولِه تعالَى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فُتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةٌ} والأَحْسَنُ أنَّها للتعقيبِ على ما سَبَق.

تنبيهٌ: قضيةُ كلامِ المصنِّفِ اختصاصُ التعقيبِ بالعاطفةِ فتَخَرَّجَ الرابِطَةِ للجوابِ، وبه صَرَّحَ القاضِي أَبُو بَكْرٍ في (التقريبِ) وقالَ: إنَّها لا تَقْتَضِي التعقيبَ في الأجوبَةِ فِرَاراً من مذَهْبِ المُعْتَزَلَةِ في أنَّ الكلامَ حروفٌ وأصواتٌ، فقالُوا في قَوْلِهِ تعالَى: {كُنْ فَيَكُونَ}: إنَّ الكلامَ عندَهم القديمُ هو الكافُ والنونُ، فإذا تَعَقَّبَهُ الكائنُ فإمَّا أنْ يُؤَدِّي إلى قِدَمِ الحادثِ أو حَدَثُ القَدِيمِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015