فالأجْمَلَ، ونحوَ: يَرْحَمُ اللهُ المُحْلِقِينَ فالمَقْصِّرِينَ، فالفاءُ في الأوَّلِ لتفاوُتِ مَرْتَبَةِ الأفْضَلِ من الكمَالِ والحَسَنُ من الجَمَالِ، وفي الثاني لتِفَاوُتِ رُتَبِ المُحْلِقينَ من المُقَصِّرِينَ بالنِّسْبَةِ إلى تَحْلِيقِهِم وتَقْصِيرِهِم.

وقولِه تعالَى: {وَالصَّافَّاتِ صَفَّا فَالزَّاجِرَاتِ زَجْراً} تُحْتَمَلُ فيه الفاءُ المَعْنَيَيْنِ معاً، فيَجُوزُ أنْ يُرَادَ بها تَفَاوُتِ رُتْبَةِ الصَّفِّ من الزَّجْرِ، ورُتْبَةُ الزَّجْرِ من التلاوةِ، ويَجُوزُ أنْ يُرادَ بها تفاوُتُ رُتْبَةِ الجِنْسِ للزاجرِ بالنسبةِ إلى صَفِّهِم وزَجْرِهم.

ص: وللتَّعْقِيبِ في كلِّ شيءٍ بحَسْبِه.

ش: معنَى التَّعْقِيبِ في المشهورِ كونِ الثانِي بعدَ الأوَّلِ من غيرِ مُهْلَةٍ، بخلافِ ثمَّ؛ ولهذا قالَ بعضُهم: (ثمَّ) لمُلاحَظَةِ أوَّلِ زَمَنِ المعطوفِ عليه، والفاءُ لملاحظةِ آخِرِهِ، قالَ ابنُ جِنِّي في خَاطِرِيَّاتِهِ، وقد أَجَادَ العِبَارَةَ أَبُو إِسْحَاقَ في قَوْلِهِ: الفاءُ للتَّفْرِيقِ على مُواصَلَةٍ، فقولُه: للتفْرِيقِ؛ أي: ليسَتْ كالواوِ في أنَّ ما عُطِفَ بها معَ ما قَبْلَهُ بمَنْزِلَةِ المُتَّبَعِ في لفظٍ واحدٍ.

وقولُه: على مواصَلَةٍ؛ أي: لِمَا فيها من قُوَّةِ الاتْباعِ وأنَّه لا مُهْلَةَ بينَهُما، انْتَهى، وصَارَ المُحَقِّقُونَ إلى أنَّ التعْقِيبَ في كلِّ شيءٍ بحَسَبِه؛ ولهذا يُقالُ: تَزَوَّجَ فُلانٌ فَولِدَ لهُ، إذا لم يكنْ بينَهما إلا مُدَّةَ الحَمْلِ، وإنْ كانَتْ مُتَطَاوِلَةً، ودَخَلَتِ البَصْرَةَ فالكُوفَةَ، إذا لم يُقِمْ في البصرةِ ولا بينَ البلدَيْنِ، وفي هذا انْفِصالٌ عمَّا أَوْرَدَهُ السِّيرَافِيُّ على قولِ البصرِيِّينَ: أنَّ الفاءَ للتعقيبِ في هذه الأمثلَةِ، فإنَّا نقولُ: هي للتعقيبِ على الوجْهِ الذي يُمْكِنُ.

قالَ ابنُ الحاجِبِ: المرادُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015