في مُسْنَدِه واعْلَمْ أنَّ الراغِبَ ذَكَرَ في (ثمَّ) عبارَةً جَامِعَةً، فقالَ: حَرْفُ عَطْفٍ يَقْتَضِي تَأَخُّرَ ما بَعْدَه عمَّا قبلَه، إمَّا تَأَخُّراً بالذاتِ أو بالمَرْتَبَةِ أو الوَضْعِ.

ص: والترتيبُ، خلافاً للعَبَّادِيِّ.

ش: في إطلاقِ حكايةِ هذا عن العَبَّادِيِّ نَظَرٌ، فإنَّه إنَّما قالَه في مَوْضِعٍ خَاصٍّ، لا في مَدْلُولِ ثمَّ، نَقَلَ القَاضِي الحُسَيْنُ عنه في بابِ الوقفِ، أنَّه لو قالَ: وَقَفْتُ على أولادِي ثمَّ على أولادِ أولادِي بَطْناً بعدَ بطْنٍ ـ فهي للترْتيبِ.

وقالَ العَبَّادِيُّ: هو للجَمْعِ. انتهى. ولعلَّ مَاخَذَهُ أنْ (وَقَفْتُ) إنشاءٌ، فلا مَدْخَلَ للترتيبِ فيه، كقولِكِ: بِعْتُكَ هذا ثمَّ هذا، بل عَدَاهُ القاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ إلى بعضِ الأخبارِ، فقالَ في بابِ الإقْرارِ من تَعْليقِه: لو قالَ: له عَلَيَّ درْهَمٌ ثمَّ دِرْهَمٌ لزِمَه دِرْهَمَانِ؛ لأنَّ ثمَّ مِن حروفِ العَطْفِ الخالصِةِ كالواوِ غيرَ أنَّه للفَصْلِ والمُهْلَةِ ولا فائِدَةَ للفَصْلِ والمُهْلَةِ هنا، فيكونُ كقولِه: دِرْهَمٌ دِرْهَمٌ. انتهى.

وهو المذهبُ، نَعَمْ، القولُ بأنَّها كالواوِ لا تَرْتِيبَ فيها ـ منقولٌ عن الفَرَّاءِ، حكاهُ السِّيَرَافِيُّ وعَزَاهُ غيرُه للأَخْفَشِ مُحْتَجًّا بقولِه: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} ومعلومٌ أنَّ هذا الجَعْلَ كانَ قبلُ خَلْقِنَا، والجمهورُ تَأَوَّلُوُهُ على الترتيبِ الإخْباريِّ، وفيها مذهبٌ ثالثٌ: أنَّها للترتيبِ في المفرداتِ نحوَ: قَامَ زيدٌ ثمَّ عَمْرٌو.

ودونَ الجُمَلِ، كقولِه تعالَى: {فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ}؛ إذ شهادةُ اللهِ تعالى مُقَدَّمَةٌ على المرْجِعِ، قالَه ابنُ بُرْهَانَ ومِثْلُه قولُ ابنِ السَّمْعَانِيِّ في (القواطعِ) تُسْتَعْمَلُ في موضعِ الواوِ مجازاً، كقولِه: {ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ}، والصحيحُ أنَّها للترتيبِ مُطْلَقاً لكنَّها في المفردِ ترتيبُ الواقعِ نحوَ: قَامَ زَيدٌ ثمَّ قَامَ عَمْرٌو، ومعَ الجُمَلِ تَدُلُّ على ترتيبِ خَبَرٍ، على خَبَرٍ لا على ترتيبِ خَبَرٍ على المُخْبَرِ عنه، كقولِه:

إِنَّ مَنْ سَادَ ثُمَّ سَادَ أَبُوهُ ... ثُمَّ قَدْ سَادَ قَبْلَ ذَلِكَ جَدَّهُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015