عَلَيَّ دِرْهَمَانِ.
قالَ القَوَّاسُ في (شرحِ الدرَّةِ) وأَوْجَبُوا تقديرَ حَرْفِ النَّفْيِ بعدَها لتحقيقِ المُطَابَقَةِ في الإضرابِ عن مَنْفِيٍّ، كما يَتَحَقَّقُ عن مُوجَبِ إلى مُوجَبٍ، قالَ: ويَجِبُ أنْ يُقالَ: إنْ كانَ المعطوفُ غَلَطاً، قَدَّرَ حَرْفَ النفْيِ، ليَشْتَرِكَا في نَفْيِ الفِعْلِ عنْهُما، وإنْ لم يَكُنْ غَلَطاً لم يُقَدَّرْ حَرْفَ النَّفْي؛ لأنَّ الفِعْلَ ثَابِتٌ له، فلا يُنْفَى عنه انْتَهَى.
وضَعَّفَ مَذَهْبَ المُبَرِّدِ ما قالَه الفَارِسِيُّ في (الإيِضاحِ) في مسألةِ: ما زيدٌ خارجاً بل ذاهبٌ، لا يَجُوزُ إلاَّ الرَّفْعُ؛ لأنَّ الخَبَرَ مُوجَبٌ، وما الحِجَازِيَّةُ لا تَعْمَلُ في الخبرِ إلاَّ مَنْفِيًّا، فلو كانَتْ لنَقْلِ حُكْمِ الأوَّلِ لجَازَ النَّصْبِ بتقديرٍ: بل هو ذاهباً، والإجْماعُ مُنْعَقِدٌ على مَنْعِه، وإنَّما لم تُجِزِ العربُ ذلك لئلاَّ يُلْتَبِسُ أَحَدُ المعنيَيْنِ بالآخَرِ، فإذا أَرَادُوا أنَّ ما بَعَدَ بل مَنْفِيٍ، أَتَوُا بحَرْفِ النَّفْيِ، فقالُوا: ما قَامَ زَيدٌ بل ما قَامَ عَمْرٌو.
وإنْ وَقَعَ بعدَها الجُمْلَةُ، لم تَكُنْ حرْفَ عطْفٍ بل حرفَ ابتداءٍ، نحوَ: ما قَامَ زيدٌ بل عمرٌو قِائمٌ، ومعناها الإضرابُ أيضاًً، لكنِ الإضرابُ تَارَةً يكونُ لإبطالِ السابقِ نحوَ: {أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ}، {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنَ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} وتَارَةً تكونُ للانتقالِ من غَرَضٍ إلى آخَرَ من غيرِ إبطالٍ، كقولِه تعالى: {وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ بَلْ قُلُوبُهُمْ}، قولِه: {بَلْ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ}.
لم يُبْطِلْ شيءٌ ممَّا أَخْبَرَ عنه سُبْحَانَهُ وتَعَالَى، بل المعنَى: بل يَكْفِي الحديثُ في هذه القصةِ ولنَّدْخُلَ في أُخْرَى، فهو لقَطْعِ الخَبَرِ لا المُخْبَرِ عنه، ووَهَمَ ابنُ مالِكٍ في (شَرْحِ الكافِيَةِ) فزَعَمَ أنَّها لا تَقَعُ في القرآنِ إلاَّ على هذا الوجْهِ.
وسَبَقَه إلى ذلك صَاحِبُ (البسيطِ)، وبَالَغَ فقالَ: ولا في كلامِ فصيحٍ. إذا عَلِمْتَ هذا فكلامُ المُصَنِّفِ يَقْتَضِي أموراً: أَحدُها: إذا كانت للعَطْفِ لا يكونُ معناها الإضرابُ وليسَ كذلك.
ثانيها: أنَّها إذا كانَتْ للإضْرابِ لا تكونُ عاطفةٌ،