ولكنْ لا يَشْتَهِيهِ، فقيلَ: ليسَ هذا طبيعَةُ (إذا)، بل طبيعةُ غيرِها من أدواتِ الشرْطِ، واسْتَظْهَرَ بقولِه: غالباً إلى مَجِيئِهَا مُجَرَّدَةً من معنَى الشرْطِ كما سَيَاتِي.
ص: ونَدَرَ مَجيئُها للماضِي والحالِ.
ش: أمَّا المَاضِي فعَلامَتُها أنْ تَقَعَ مَوْقِعَ إذ، كقولِه تعالى: {وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُم} وقولِه: {وَإِذَا رَأَوُا تِجَارَةُ أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا} خَبرٌ أَثْبَتَه بعضُهم، وتَابَعَه ابنُ مالِكٍ، والجمهورُ مَنَعُوهُ، وتَأَوَّلُوا ما أَوْهَمَ ذلك.
وأمَّا الحالُ وعَلامَتُها بعدَ القَسَمِ نحوَ: {وَالْلَيْلِ إِذَا يَغْشَى}، {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى}؛ لأنَّها لو كانَتْ للاسْتِقْبَالِ لم تَكُنْ ظَرْفاً لفِعْلِ القَسَمِ؛ لأنَّه إنشاءٌ لا إخْبارٌ عن قِسْمٍ ثانٍ؛ لأنَّ قَسَمَه سُبْحَانَهُ وتَعَالَى قديمٌ، ولا يكونُ محذوفٌ هو حالٌ من الليلِ والنجمِ؛ لأنَّ الاستقبالَ والحالَ مُتنافِيانِ، وإذا بَطُلَ هذانِ تَعَيَّنَ أنَّه ظَرْفٌ لأحدِهما على أنَّ المُرَادَ به الحالُ.
وقالَ ابنُ الحَاجِبِ في (شَرْحِ المُفَصَّلِ): قد تَاتِي لمُجَرَّدِ الظرفيَّةِ دونَ الشرطيَّةِ، نحوَ: {وَالْلَيْلِ إِذَا يَغْشَى}؛ لأنَّها لو كانَتْ شَرطيَّةٌ لاحْتَاجَتْ إلى جوابٍ، وليسَ في اللفظِ، فيكونُ مُقَدَّراً يَدُلُّ عليه فِعْلُ القَسَمِ، وهو فَاسِدٌ؛ لأنَّه يَصِيرُ المعنَى: إذا يَغْشَى أَقْسَمَ، فيكونُ القسمُ مُتَعَلِّقاً بالشرطِ وهو ظاهرُ الفسادِ، وإذا ثَبَتَ أنَّها لمُجَرَّدِ الظرفيَّةِ فليسَتْ مُتَعَلِّقَةٌ بفِعْلِ القَسَمِ؛ لأنَّه يَصِيرُ المَعْنَى: أَقْسَمَ في هذا الوَقْتِ بالليلِ، فيَصِيرُ القسمُ مبتدأً، والمعنَى على خلافِه، بل يَتَعَلَّقُ بفِعْلٍ محذوفٍ؛ أي: أَقْسَمَ بالليلِ حاصلاً في هذا الوقْتِ، فهي إذاً في مَوْضِعِ الحالِ من الليلِ. انتهى. وقد وقع في محذورٍ آخَرَ، وهو أنَّ الليلَ عبارَةٌ عن الزمانِ المعروفِ، فإذا جَعَلْتَ إذا مَعْمُولَةٌ لفِعْلٍ هو حالٌ من الليلِ لَزِمَ وقوعُ الزمانِ في الزمانِ وهو مُحالٌ، والحقُّ أنَّ (إِذَا) كما تَجَرَّدَ عن الشرْطِ تَجَرَّدَ كذلك عن الظرْفِ، فهي هنا