وكانا منهيين وإن ورد النهي بلفظ التخيير، اللهم إلا أن يدل دليل على أن كل واحد منهما منهي عنه بشرط وجود الآخر، فيكون للتخيير ههنا فائدة بأن يقال: لا تأكل أو لا تشرب، ويدل الدليل على أنه إنما نهى عن الأكل بعد وجوب الشرب، وكذا إنما نهي عن الشرب بعد وجود الأكل فيكونا منهيين على طريقة التخيير على هذا الوجه، هذا تحرير مذهب المعتزلة كما قالَ ابن السمعاني وغيره، وحينئذ فلا يصح إطلاق إلحاقها بالمخير، واستشكل القرافي القول بأن النهي يرد معَ التخيير بينَ أمرين فصاعداً، وفرق بينه وبين الأمر بواحد من أشياء، بأن الأمر هناك يتعلق بمفهوم أحدها الذي هو قدر مشترك بينها، لصدقه على كل واحد منها، ومتعلق التخيير الخصوصيات، ولا يلزم من إيجاب المشترك إيجاب (27 ب) الخصوصيات كما في إيجاب رقبة مطلقة في العتق، لا يلزم منه إيجاب رقبة معينة، وأما النهي فإنَّه يتعلق بمشترك حرمت أفراده كلها، ويلزم فيه من تحريم المشتركات تحريم الخصوصيات، ثمَّ أجاب عن الجمع بينَ الأختين ونحوها، بأن التحريم إنما يتعلق بالمجموع عيناً لا بالمشترك بينَ الأفراد، والمطلوب أن لا يدخل ماهيته في الوجود وهو المجموع، والماهية تنعدم بانعدام جزء منها، قالَ بعض الفضلاء: والظاهر أن هذا مرادهم بتحريم واحد من الأشياء لا ذاك الذي استشكله،
وهو الكلي المشترك؛ لأنَّ من المحال عقلاً أن يفعل الإنسان فرداً من جنس أو نوع أو كلي مشترك من حَيْثُ الجملة، ولا يفع ذلك المشترك المنهي عنه، فإنَّ الكلي مندرج في الجزئي بالضرورة، لكن يشكل كل هذا إحالتهم الكلام في هذه على الكلام في الأمر بواحد من أشياء.
ص: (وقيل: لم ترد به اللغة).
ش: ذكر الْمُصَنِّف أن الماوردي حكاه في (شرح البرهان)، قلت: وقد سبقه إليه القاضي في (التقريب) فحكاه عن بعض المعتزلة، وأولوا قَوْلُه تَعَالَى: {ولا تطع منهم آثماً أو كفوراً} على جعل (أو) بمعنى الواو، وقالَ الإمام في (التلخيص) أنكر معظم المعتزلة النهي عن شيئين على التخيير، ثمَّ اختلفوا، فمنهم