الدليل على صحة الصغرى: وهي أن العمل بالمصالح المرسلة عمل بالظن المجرد عن الدليل، فإن المصلحة دليل ظني بدليل الاختلاف فيها، فلو كان القول بها مقطوعاً به لما وقع فيها الخلاف، والدليل على أن العمل بها عمل بالظن المجرد عن الدليل، أنه لو وجد دليل يثبت الظن بالمصالح المرسلة في بناء الأحكام عليها لكانت معتبرة غير مرسلة، فوصف الإرسال فيها أمارة على تجرد الظن فيها عن الدليل.
الدليل على صحة الكبرى: وهي أن الأصل عدم العمل بالظن، قوله تعالى: {إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً} فالظن موصوف بأنه لا يغني من الحق شيئاً، وهو الظن الخالي عن الدليل، فالعمل به باطل.
مناقشة الدليل:
إن العمل بالمصالح المرسلة ليس عملاً بالظن المجرد عن الدليل، وإنما هو عمل بالظن المبني على الدليل، فإن المصلحة المرسلة ثبت العمل بها بأدلة متعددة دالة على اعتبارها في الجملة وإن لم يدل دليل خاص على اعتبار عينها، وإنما دل الدليل العام على اعتبار جنسها في بناء الأحكام عليها، فقد شهد لاعتبارها الأصول العامة ومبادئ الشريعة ومقاصدها فهي مقصودة للشارع، والظن الوارد في الآية المقابل للحق، هو الظن المبني على الهوى وهو باطل بالاتفاق، لأنه منهي عنه، فلا يجوز العمل به، أما الظن بالمصالح المرسلة فهو ظن مأمور به شرعاً، وقد أقر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معاذاً على مطلق الاجتهاد عند فقده الكتاب والسنة، فلم يقيده باجتهاد إلحاق الفروع بالأصول، فيكون شاملاً للاجتهاد المصلحي، وتخصيصه بنوع دون نوع تخصيص بلا دليل، فيكون العمل بالمصلحة المرسلة عمل بالظن المعتبر وداخل في الاجتهاد الذي أذن فيه الشارع.
ثانياً: إن الأدلة الشرعية التي تثبت بها الأحكام هي: الكتاب والسنة والإجماع والقياس، فالكتاب والسنة متلقيان بالقبول، والإجماع ملتحق بهما، لأن سند الحكم