وَالشّرط الثَّالِث
أَن يقوم بكفاياتهم حَتَّى لَا يحتاجوا فَإِن الْحَاجة تدعوهم إِلَى خصْلَة من ثَلَاث لَا خير فِي وَاحِدَة مِنْهُنَّ
إِمَّا أَن يتسلطوا على أَمْوَال الرّعية
وَإِمَّا أَن يعدلُوا إِلَى من يقوم لَهُم بالإكفاء
وَإِمَّا أَن يشتغلوا بمكسب فيوهنوا وَإِذا احْتِيجَ إِلَيْهِم لم يغنوا مَا بذلوا انفسهم إِلَّا لقِيَامه بكفايتهم
وَقد قيل
من وثق بإحسانك أشْفق على سلطانك
وَمَتى اقتطعهم طلب الْكسْب ضعف فِي أنفسهم رجاؤه وَقل فِي أَعينهم عطاؤه ثمَّ إِن بدر عَلَيْهِم الْعَطاء فَلَا يحوجون إِلَى الْمُطَالبَة فَإِن المطالب جرئ وَفِي جرأتهم خرق للحشمة ووهن للهيبة وَقل مَا يخْتل الْملك إِلَّا بِمثلِهِ لِأَن بهم تدفع الخطوب الملمة فَإِذا كَانُوا هم الْخطب الملم فبمن يدْفَعُونَ إِلَّا بالتلطف والإنصاف فهم كالمثل السائر فِي قَول الشَّاعِر
(بالملح يصلح مَا يخْشَى تغيره ... فَكيف بالملح إِن حلت بِهِ الْغَيْر) // من الْبَسِيط //
وَقد كَانُوا يرَوْنَ الْقَصْد فِي إعطائهم قدر الْكِفَايَة أولى من التَّوسعَة عَلَيْهِم بِالزِّيَادَةِ لِأَن الزِّيَادَة تؤول بهم إِلَى إِحْدَى خَصْلَتَيْنِ مذمومتين