كمن رام وجود ما لا يوجد، فلا ينبغي أن يطلب من الدنيا ما لم توضع له.
فصل ـ في قول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه» و «إن الميت يعذب بالنياحة عليه» وقد تقدمت هذه الأحاديث، فاختلف السلف والخلف في ذلك.
فقالت طائفة: الله يتصرف في خلقه بما يشاء، وأفعال الله لا تعلل، ولا فرق بين التعذيب بالنوح عليه، والتعذيب بما هو منسوب إليه، لأن الله تعالى خالق الجميع، والله تعالى يؤلم الأطفال والبهائم والمجانين بغير عمل عملوه.
وقالت طائفة اخرى: هذه الأحاديث لا تصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أنكرتها عائشة ـ رضي الله عنها ـ واحتجت بقوله تعالى: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} ثم أحاديث لم نذكرها بعد، وهي مما استدلت بها عائشة رضي الله عنها.
ومنها «عن عروة، قال: ذكر عند عائشة، أن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ يرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم: إن الميت يعذب في قبره ببكاء أهله.
فقالت: ذهل إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنه ليعذب بخطيئته أو بذنبه، وإن أهله ليبكون عليه الآن» ، وذلك مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم «قام على القليب يوم بدر، وفيه قتلى بعض المشركين، فقال ما قال: إنهم ليسمعون ما أقول، وقد ذهل، إنما قال: إنهم ليعلمون أن ما كنت أقوله لهم حق.
ثم قرأ: {إنك لا تسمع الموتى} {وما أنت بمسمع من في القبور} يقول: تبوؤوا مقاعدهم من النار» .
رواه البخاري ومسلم، وهذا لفظه.
هكذا ساقه بطوله الحافظ الضياء.
«وعن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة، قال: توفيت بنت لعثمان بمكة، وجئنا لنشهدها، وحضر ابن عمر وابن عباس، إني لجالس بينهما، أو قال: جلست إلى أحدهما، ثم جاء الأخير فجلس إلى جنبي، فقال عبد الله بن عمر لابن عباس: ألا تنهى عن البكاء، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الميت ليعذب ببكاء