ذلك، فقال: من أعلمك وما سبقني إليك أحد؟ قال: قوله تعالى: {كل نفس ذائقة الموت} .
ثم قال: ولعمري، إن أصل الانزعاج لا ينكر، إذ الطبع مجبول على الجزع من حلول المنايا، وإنما ينكر الإفراط فيه والتكليف، كمن يخرق ثيابه ويلبس الثياب المرذولة عند موت قريبه، ويلطم وجهه، ويعترض على القدر، وهذا، ومثله، وأكثر منه، لا يرد فائتاً، لكنه يدل على خور الجازع ويوجب العقوبة، مع ما يفوته من الأجر والثواب.
قال بعض الحكماء: إذا كان الصبر محموداً عند المصائب، ومرغوباً فيه عند حلول النوائب، فالجزع مذموم بكل مقال، وصاحبه ملوم في كل حال، فتعجل المحمود عند العقلاء أحسن، وتجنب المذموم من الخصال أزين.
وفي بعض ما تقدم من أحاديث النهي هذه، كفاية لمن تدبرها، وكيف لا تكون هذه الخصال القبيحة منهياً عنها، وهي مشتملة على التسخط على الرب عز وجل، الفعال لما يشاء، الحكم بما يريد، المتصرف في عبيده بما يختار من موت وغرق وحرق، وغير ذلك مما قضاه وقدره وأمضاه، لا يسأل عما يفعل، وهم يسألون؟! بل فعل النوح، وشق الثياب، ولطم الخدود، وخمش الوجوه، ونبش الشعر ونتفه، والتحفي، وتسويد الوجه والبدن، والدعاء بالويل والثبور، وغير ذلك من الأقوال والأفعال المنكرة التي ورد الشرع بالنهي عنها، وذم فاعلها، وأن فاعلها شرع في الدين ما لم يأذن به الله ولا رسوله، هو مناف للرضا والصبر، ويضر بالنفس والبدن، ولا يرد من قضاء الله وقدره شيئاً.
وقد بلغني عن أناس أعرفهم، أصيبوا بمصيبة، أزعجوا أنفسهم لأجل مصابهم ببعض ما ذكر، فأورثهم ذلك مرض وحمى، فإذا استسلم المصاب وانقاد، ووكل الأمر لمن بيده الخلق والأمر، وعلم أن سعادة العباد في معاشهم ومعادهم باتباع الرسل، فتبع الرسول