وذكر الشيخ في المغني قال: حرب عن أحمد كلاماً فيه احتمال إباحة النوح والندب، قال: واختاره الخلال وصاحبه، لأن واثلة بن الأسقع، وأبا وائل كانا يسمعان النوح ويبكيان، ثم قال: وظاهر الأخبار تدل على التحريم.
انتهى كلامه.
واستنادهم في ذلك لآثار مروية عن بعض الصحابة والسلف، لا ترد ما ورد في الصحيح والمسانيد.
فإنهم قالوا: قد روى حرب عن واثلة بن الأسقع وأبي وائل: إنما كانا يسمعان النوح ويبكيان.
قالوا: وقد ورد في الصحيح من «حديث أم عطية، قالت: لما أنزلت هذه الآية: {يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين} إلى قوله: {ولا يعصينك في معروف} كان منه النياحة، فنهانا عن النياحة فقبضت امراة منا يدها فقالت: فلانة أسعدتني فإنما أريد أن أجزيها، قال: فما قال لها شيئاً فذهبت فانطلقت، ثم رجعت فبايعها» .
وفي لفظ الصحيح «قالت أم عطية: يا رسول الله إلا آل فلان، فإنهم أسعدوني في الجاهلية، فلا بد لي أن أسعدهم فقال: إلا آل فلان» .
والجواب عن ذلك: أن المرأة التي سكت عنها ذلك خاص بها لوجهين:
أحدهما: أنها حديثة عهد بالإسلام، فربما كان فيه تنفير لها عنه.
الثاني: أنه قال لغيرها لما سألته ذلك، قال: «لا إسعاد في الإسلام» .
فإطلاقه لها، وحجره على غيرها، يدل على الخصوص.
وعلى الرواية الأولى: أن امرأة قبضت يدها، ولم تبايع إلا بعد الإسعاد، فلا إشكال، وقد حكى بعض المبايعات القصة ولم تستثن أحداً، فما ورد في سنن أبي داود من حديث أسيد بن أبي أسيد عن امرأة من المبايعات قالت: كان فيما أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المعروف الذي أخذ علينا أن لا نعصيه فيه: أن لا نخمش وجهاً، ولا ندعو ويلاً ولا نشق جيباً، ولا ننبش شعراً.