صاحب الدنيا لا يلتذ بالعبادة، ولا يجد حلاوتها، مع ما يجد من حب الدنيا، إن الدابة إذا لم تركب وتمتهن تصعبت وتغير خلقها، كذلك القلوب، إذا لم ترق بذكر الموت، ودأب العبادة، تقسو وتغلظ.
«وثبت في الصحيح مرفوعاً: اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً» .
قال أهل اللغة: القوت: ما يسد الرمق، وفيه دلالة على فضيلة التقليل من الدنيا، والاقتصار على القوت منها، والدعاء بذلك، والله أعلم، فإن الدخول في الدنيا، والميل إليها على خطر عظيم، «كما تقدم في الصحيح مرفوعاً: إن مما أخاف عليكم بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا» قال العلماء: في التحذير من الاغترار بالدنيا، والنظر إليها، والمفاخرة بها، فالدنيا، وإن أقبلت على الشخص من وجه حل، يخاف عليه الفتنة، والاشتغال بها عن كمال الإقبال على الآخرة، فإن وفق لإعطاء المسكين واليتيم وابن السبيل، وصرفه في وجوه البر، كان من الفائزين، وإلا كان من الهالكين.
وقد ثبت في صحيح مسلم «عن المستورد بن شداد الفهري، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما الدنيا في الآخرة، إلا مثل مايجعل أحدكم إصبعه في اليم، فلينظر بما ترجع إليه» .
«وقال معاوية: سمعت ـ على هذا المنبر ـ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنما بقي من الدنيا بلاء وفتنة، وإنما مثل عمل أحدكم، كمثل الوعاء، إذا طاب أعلاه طاب أسفله، وإذا خبث أعلاه خبث أسفله» .
وقال علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ: من زهد في الدنيا، هانت عليه المصائب، ومن ارتقب الموت، سارع في الخيرات.
وقال الحسن البصري: والذي نفسي بيده، لقد أدركت أقواماً، كانت الدنيا عليهم أهون عليهم من التراب الذي تمشون عليه.
ثم علامة الشقاء قسوة القلب، وجمود العين، وطول الأمل، والحرص على