ينبغي للمصاب بنفسه، أو بولده، أو بغيرهما، أن يجعل في المرض مكان الأنين ذكره الله تعالى، والاستغفار والتعبد، فإن السلف رحمهم الله تعالى كانوا يكرهون الشكوى إلى الخلق، وهي وإن كان فيها راحة، إلا أنها تدل على ضعف وخور، والصبر عنها دليل قوة وعز، وهي إشاعة سر الله تعالى عند العبد، وهي تأثر شماتة الأعداء ورحمة الأصدقاء.
قال الشاعر:
لا تشكون إلا صديق حالة ... تأتيك في السراء والضراء
فلرحمة المتوجعين مرارة ... في القلب مثل شماتة الأعداء
وذكر ابن أبي الدنيا بإسناده إلى إسماعيل بن عمرو، قال: دخلنا على ورقاء بن عمر وهو في الموت، فجعل يهلل ويكبر ويذكر الله عز وجل، وجعل الناس يدخلون عليه ويسلمون عليه، فيرد عليهم السلام، فلما كثروا عليه، أقبل على ابنه فقال: يا بني، اكفني رد السلام على هؤلاء، لا يشغلوني عن ذكر ربي عز وجل.
وعن أبي محمد الحريري، قال: حضرت عند الجنيد، قبل وفاته بساعتين، فلم يزل تالياً وساجداً، فقلت له: يا أبا القاسم، قد بلغ ما أرى من الجهد، فقال: يا أبا محمد، أحوج ما كنت إليه هذه الساعة، فلم يزل كذلك حتى فارق الدنيا.
وقد روي في حديث، أن إبليس لا يكون في حال أشد منه على ابن آدم عند الموت، يقول لأعوانه: دونكموه، فإنه إن فاتكم اليوم، لم تلحقوه.
واعلم ـ رحمك الله ـ أن الأعمال بخواتيمها، فإنه ربما أضله في اعتقاده، وربما حيل بينه وبين التوبة، وغير ذلك مما هو محتاج إليه، وربما وقع منه الاعتراض على القضاء والقدر، فينبغي للمصاب بنفسه أو بغيره، أن يعلم أو يعلم بغيره، أنها صبر ساعة، فيتجلد ويحارب العدو جهد طاقته، فبصدقه تحصل له عليه الإعانة من الله، ويعلم أيضاً، أن التشديد عليه أو على غيره في النزع، هو في الغالب من كرامة العبد على الله عز وجل، فإن أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل