والشرب والنكاح، ومنهم من يرى النعمة بالرئاسة والجاه ونفاذ الأمر والنهي وقهر الأعداء، ومنهم من يرى النعمة في جميع الأموال والقناطير المقنطرة، وهؤلاء من جنس الكفار، يرون هذه نعماً، وأعلى من هؤلاء: من يرى النعمةفي الإيمان والعمل الصالح، لكن لا يرى الأمر بذلك والجهاد عليه نعمة، بل يرى فيه من المضار ما يوجب تركه والذين يرون هذه النعمة: منهم من لا يراه نعمة إلا مع السلامة والغنيمة، فإن جرح أو قتل بعض أولاده، أو أخذ ماله، عد ذلك مصيبة لا نعمة.

وحجة هؤلاء كلهم أن النعمة ما يتنعم به العبد، وهذه الأمور تؤلم النفس، فلا تكون من النعم، بل من المصائب، ولا ريب أنها من المصائب، باعتبار ما يحصل فيها من الألم، ولهذا أمر بالصبر عليها، لكن لا منافاة بين كون الشيء مصيبة باعتبار، ونعمة باعتبار، فباعتبار ما يحصل له من الأذى هو مصيبة، وباعتبار ما حصل به من الرحمة نعمة، وهذا لأنه إذا قيل: هذا يكفر به الخطايا ويؤجر عليها ويؤجر على الصبر عليها كانت نعمة، وهذا بمنزلة شرب المريض الدواء الكريه، هو مصيبة باعتبار مرارته، وهو نعمة باعتبار إزالته للمريض الذي هو أشد ضرراً فيه، وأدنى الشرين إذا زال أعظمهما كان نعمة، ومن استعمل نعمة الله في المعاصي، كانت شراً في حقه، لأنها جرته إلى العذاب الذي هو أعظم من تلك اللذة كمن أكل عسلاً فيه سم، فإن ضرر السم أعظم من حلوة العسل، والله أعلم.

انتهى كلامه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015