واعلم، أن العبد لن يصيب حقيقة الرضا، حتى يكون رضاه عند الفقر والبلاء، كرضاه عند الغنى والرخاء، كيف تستقضي الله في أمرك، ثم تسخط إن رأيت قضاءه مخالفاً لهواك؟ ! ولعل ما هويت من ذلك، لو وفق لك، لكان فيه هلكك، وترضى قضاءه إذا وافق هواك، وذلك لقلة علمك بالغيب، وكيف تستقضيه؟ إن كنت كذلك ما أنصفت من نفسك، ولا أصبت باب الرضا! !

وروى أبو بكر بن أبي الدنيا أيضاً، قال: حدثنا الحسين، ثنا عبد الله، حدثني المروزي، قال: قال حفص بن حميد: كنت عند عبد الله بن المبارك بالكوفة حين ماتت امرأته، فسألته ما الرضا؟ قال: الرضا أن لا يتمنى خلاف حاله، فجاء أبو بكر بن عياش فعزى ابن المبارك ـ قال حفص: ولم أعرفه ـ فقال عبد الله: سله عما كنا فيه، فسألته، فقال: من لم يتكلم بغير الرضا فهو راض.

قال حفص: وسألت الفضيل بن عياض، فقال: ذاك للخواص.

ثم قال قادم الديلمي العابد.

قال: قلت للفضيل بن عياش: من الراضي عن الله؟ قال: الذي لا يحب أن يكون على غير منزلته التي جعل فيها.

وقال أبو عبد الله البراثي: لم يرد الآخرة، أرفع درجات من الراضين عن الله عز وجل على كل حال.

وقال سيار: دخلت على أبي العالية في مرضه الذي مات فيه، فقال: إن أحبه إلي، أحبه إلى الله عز وجل.

وقال عمرو بن أسلم العابد: سمعت أبا معاوية الأسود يقول: في قوله تعالى: {فلنحيينه حياة طيبة} .

قال: الرضا والقناعة.

ذكرهن ابن أبي الدنيا في كتاب الرضا، ثم ذكر عن مصعب بن ماهان، عن سفيان الثوري، قال في قوله تعالى: {وبشر المخبتين} قال: المطمئنين الراضين بقضائه المستسلمين له.

وعن وهب بن منبه، قال: وجدت في زبور داود عليه السلام: يا داود، هل تدري أي الفقراء أفضل؟ الذين يرضون بحلمي وبقسمي، ويحمدوني على ما أنعمت عليهم، هل تدري يا داود أي المؤمنين أعظم عندي منزلة؟ الذي هو بما أعطي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015