وهذا الفعل من محاسن الشريعة التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم: إن أهل الميت لا يتكلفون طبخ طعام لأحد من الناس، «بل أمره صلى الله عليه وسلم للناس، أن يصنعوا طعاماً لأهل الميت، ويرسلونه إليهم» ، هذا من أعظم مكارم الأخلاق والشيم، والحمل عن أهل الميت إعانة لهم، وجبراً لقلوبهم، لأنهم في شغل بمصابهم عن إصلاح طعام لأنفسهم، فكيف للناس والاهتمام بأمرهم؟ فإذا صنع الناس لهم الطعام المعروف، وحملوه إليهم، حصلت الراحة لأهل الميت من وجهين:
أحدهما: ـ شغلهم بمصابهم، ثم بتجهيزه وغسله وتكفينه والصلاة عليه، وحمله ومواراته في حفرته، ثم بعد ذلك إذا تفرغوا من هذه الأمور، وحصل لهم سكون ودعة، فإن هذه كفاية لهم عن شغلهم بالناس.
الثاني: ـ عدم الخسارة، فإن عدمها فيها تسلية لأهل الميت فإن في زماننا هذا، ما يتوارى الميت في حفرته، حتى يخسر عليه دراهم كثيرة، فلأن لا يجتمع عليه خسارتان أولى.
وقد وردت السنة بصنع الطعام لأهل الميت، سواء فقد ميتهم في السفر أو في الحضر، وسواء حصلت عليه خسارة أم لم تحصل، فقد حصلت البشارة لمن صنع لهم طعاماً، وحمله إليهم، أنه اتبع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وامتثل أمره، فقد روى الإمام أحمد في مسنده «عن عبد الله بن جعفر ـ رضي الله عنه ـ قال جاء نعي جعفر ـ رضي الله عنه ـ حين قتل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: اصنعوا لآل جعفر طعاماً، فقد أتاهم ما يشغلهم» .
ورواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجة.