فوالله ما سمعت بأحسن منه ولقد خلت أن العود والجدار ينطلقان معه ثم غاب فخرجت مغضباً وسألت عن الشيخ فقالوا نعيذك بالله لم يدخل أحد فرجعت وإذا بهاتف من جانب البيت يقول لا بأس عليك ما كان ضيفك إلا إبليس فركبت إلى الرشيد فحدثته بالقصة وأخبرته أن الشيخ أخبرني أني أحكمت الغناء وغنيته كما سمعت فأحسن صلتي وحكي عنه في الأصل أيضاً وفي غيره عن ولده إسحق قال أصبحت في يوم مطير أيقنت فيه أن لا يأتيني أحد فصنعت لنفسي ما شئت من طعام وشراب وجلست في سرور حتى ولي النهار فذكرت جارية أهواها فقلت لو كانت عندي لكمل سروري فما أكملت القول حتى جاءني غلام فقال فلانة بالباب فوثبت لم أملك نفسي فإذا بغرس التمني قد أثمر فاعتنقتها وقد بلها المطر فخلعت ما عليها وألبستها بدلة تليق بها وجئت بماء ساخن وغسلت رجليها بيدي وقلت ما الذي جاء بك في هذا الوقت قالت جاءني رسولك مرتين يخبرني أنك تشكو الحرقة فكرهت أن أقول ما أرسلت أحداً فجلست وأخذت العود فغنيت:
توسدها كفى وبت ضجيعها ... وقلت لليلى طل فقد رقد الفجر
بوجه إذا ما عاب عني حكاه لي ... وإن لم يكن في حسن صورته البدر
فلما أضاء الصبح فرق بيننا ... وأي نعيم لا يكدره الدهر
فبينما نحن كذلك دخل علينا شيخ حسن الهيئة فجلس معنا فقالت هذا رسولك إلي فأنكرت إذ لم أعرفه وعجبت من دخوله لأن المفاتيح عندي هكذا في الأصل وفي غيره أن الجارية حين استقر بها الجلوس قالت أريد أن يغني قال إسحق أنا قالت لا أنت ولا أنا ولكن اخرج فالتمس لنا أحداً فخرجت لنا طاعة لها فإذا أنا بشيخ أعمى وهو يقول لا جزي الله من كنت عندهم خيراً إن غنيت لم يسمعوني وإن سكت استخفوا بي فقلت له: هل تكون عندنا ليلتك فقال: خذ بيدي إن شئت. فلما دخلنا وجلس قال لي: غنّ فحين غنيت قال: قاربت أن تكون مغنياً فكدت أن أموت ثم سأل الجارية فغنت. فقال: ما جئت بشيء. فقالت: هذا ما عندنا فهات ما عندك فطلب عوداً جديداً فأصلحه وكانت الجارية حين طرق الباب قالت:
أيدخل محبوب على الباب واقف
فأنشد الشيخ:
سرى يخبط الظلماء والليل عاكف ... حبيب بأوقات الزيارة عارف
وما راعني إلا السلام وقولها ... أيدخل محبوب على الباب واقف
فحين سمعت ذلك الجارية قالت: قد ضاق صدرك بكلمة فلم أزل أترضاها وأحلف أني لم أقل وأتقرب إليها بالتقبيل ودعدعة الثديين حتى ضحكت فغنى الشيخ:
ألا ربما زرت الملاح وطالما ... لمسكت بكفي البنان المخضبا
ودغدغت رمان الصدور ولم أزل ... أعضعض تفاح الخدود المكتبا
فقلت لها أنا أعلمته بذلك فاطمأنت ثم قام إلى الخلاء وأبطأ فطلبناه فلم نجده فعلمت أنه أبو مرة فتمثلت بقول أبي نواس:
عجبت من إبليس في كبره ... وخبث ما أظهر من نيته
أبى على آدم في سجدة ... وصار قوّاداً لذريته
قال بعض الأدباء:
كان أبو نواس أول من فتح هذا الباب على إبليس فكثرت فيه الأقوال من الشعراء:
قال بعض الحكماء لولده ونقله في الأحياء لا تتزوج حنانة يعني إلى ولدها الذي من الزوج السابق ولا منانة يعني ذات المال التي تعطي الزوج شيئاً ثم تمن به عليه ولا أنانة يعني زوجها الأول وعليها نقل في تحفة العروس أن الغدور بنت قيس بن خالد لما تزوج بها عمرو بن الجون بعد لقيط بن زراره لم تزل تظهر الأسف على لقيط فحنق عمرو وقال لهاك ويلك إنه لم يجيء من بعض عبيدي فصفى لي بعض ما رأيت من حسنه. قالت تطيب يوماً وجلس يتناول الشراب ولم يوقظني شفقة حتى انتبهت فأركبني وخرج إلى الصيد والزهو فلاحت غابة فيها أسدان فشد حتى قتل واحداً ورجع إلي فضمني ضمة وددت لو مت فيها ففعل عمرو ذلك وضمها. قال: أين أنا من لقيط. فقالت: ماء ولا كصداء ومرعى ولا كالسعدان وهو مثل سبق تقريره.
وعن بعضهم كن فوق المرأة بالسن والمال والحسب وإلا احتقرتك ولتكن هي فوقك بالصبر والجمال والآداب وإلا احتقرتها.