عبده، وإجابته لدعائه، وكشف كربه وإغاثته لهفته وتفريج كربته، من غير حاجة منه إليه، بل مع غناه التام عنه من جميع الوجوه، كل ذلك داعٍ للقلوب إلى تأليهه ومحبته، فلو أن مخلوقاً فعل بمخلوق أدنى شىء من ذلك لم يملك قلبه عن محبته، فكيف لايحب العبد بكل قبلبه وجوارحه من يحسن إليه على الدوام بعدد الأنفاس مع إساءته؟.
فخيره إليه نازل، وشره إليه صاعد، يتحبب إليه بنعمه وهو غنى عنه، والعبد يتبغض إليه بالمعاصى، وهو فقير إليه- فلا إحسانه وبره وإنعامه عليه يصده عن معصيته، ولامعصية العبد ولؤمه يقطع إحسان ربه عنه. وأيضاً: فكل من تحبه من الخلق ويحبك إنما يريدك لنفسك، وغرضه منك، والله سبحانه وتعالى يريدك لك.
وأيضاً: فكل من تعامله من الخلق إن لم يربح عليك لم يعاملك، ولا بد له من نوع من أنواع الربح، والله تعالى يعاملك لتربح أنت عليه أعظم الربح وأعلاه، فالدرهم بعشرة أمثاله إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، والسيئة بواحدة وهى أسرع شىء محواً.
وأيضاً: فهو سبحانه خلقك لنفسه، وخلق كل شىء لك فى الدنيا والآخرة، فمن أولى منه باستفراغ الوسع فى محبته، وبذلك الجهد فى مرضاته.
وأيضاً: فَمطالبك - بل مطالب الخلق كلهم جميعاً - لديه، وهو أجود الأجودين، وأكرم الأكرمين، أعطى عبده قبل أن يسأله فوق ما يؤمله، يشكر القليل من العمل وينميه، ويغفر الكثير من الذلل ويمحوه، يسأله مَنْ فى السموات والأرض كل يوم هو فى شأن، لا يشغله سمع عن سمع، ولا تغلطه كثرة المسائل، ولا يتبرم بإلحاح الملحين فى الدعاء، ويحب أن يُسأل ويغضب إذا لم يُسأل، ويستحى من عبده حيث لا يستحى