وبعد تخرجه رجع إلى مسقط رأسه، وعيّن أستاذا بالمدرسة الصادقية في سنة 1935 فبث روحا جديدة في تلاميذه قوامها الفكرة الوطنية الصادقة، والاعتزاز بالشخصية القومية، ومقاومة مكائد الاستعمار ودسائسه.
وخشي الاستعمار من سريان هذه الروح الجديدة في أوساط الطلبة، فسلط عليهم العقوبات الصارمة ومنها الطرد النهائي، ورأى الاستعمار في هذا الأستاذ الجديد خطرا على سياسته فأقصاه الكاتب العام للحكومة كاترون عن وظيفته في 15 مارس! ) 1938 بدعوى أنه قام بجولات دعائية لفائدة الحركة الوطنية، فما استخذى ولا استسلم، ووالى نشاطه في الحزب الحر الدستوري الجديد.
وكان لقرار الفصل رد فعل في كل الأوساط الشعبية فأضرب طلبة الصادقية وجامع الزيتونة وطلبة المدارس الأخرى، وتأسست في تونس «لجنة الاتحاد الزيتوني المدرسي» للعمل على تنسيق نضال الطلبة إلى جانب الحزب، وعقدت اجتماعها الأول بنادي الحزب في اليوم الثاني من أفريل 1938 وحضره زهاء ثلاثة آلاف طالب.
وشارك المترجم له في مؤتمر الحزب المنعقد في 30 أكتوبر - 2 نوفمبر 1937 وكان انضمامه إلى الحركة الدستورية عام 1936.
وكان انعقاد هذا المؤتمر من أجل تغيير الحكومة الفرنسية (الجبهة الشعبية) التي وعدت بإدخال إصلاحات جوهرية على أجهزة الحكم بتونس، ورأى الاستعماريون الفرنسيون بتونس أن هذا الوعد لا يتفق مع مصالحهم فسعوا إلى نشر الفوضى والاضطراب، فأطلق البوليس النار على العملة المضربين في المتلوي في 8 مارس 1937 فأردى منهم 19 قتيلا وجرح الكثير منهم ونتيجة لذلك غيّرت الحكومة الفرنسية سياستها وعدلت عن تنفيذ الإصلاحات التي وعدت بها.
وقرّر الاستعمار الفرنسي مصادمة الحركة الوطنية وإلقاء القبض على رجالها، وفي هذا الجو من الفزع والرعب وقعت مظاهرة شعبية أمام القصر الملكي بحمام الأنف في 7 أفريل 1938 وهتف المتظاهرون بحياة تونس واستقلالها.
وقاد المترجم له مظاهرة كبرى سارت من ساحة الحلفاوين والتقت في باب البحر بالمظاهرة الثانية التي قادها الزعيم المنجي سليم والتي انطلقت من معقل الزعيم، وكانت الجماهير تنادي ببلمان تونسي، وكانت ساحة الإقامة العامة (السفارة الفرنسية) مطوقة بالجيش والدبابات والسيارات المصفحة وفي هذا الجو المكهرب اعتلى المترجم له أكتاف الشبان والعلم التونسي يرفرف إلى جانبه وارتجل خطابا ثوريا حماسيا رائعا من أهم ما جاء فيه: «جئنا في هذا اليوم لإظهار قوانا أمام هذا العاجز (يقصد المقيم العام أرمان قيون) الذي لا يقدر أن يدبّر شئونه بنفسه ويتنازل عنها إلى «كاترون» (أي الكاتب العام للحكومة) ذلك الغادر الذي لا يزال يكيد للتونسيين، ويريد سحقهم في هذه البلاد لا قدّر الله».