الفصل الأول: جذور تدهيب التهذيب وأصوله
كان لازدهار الحياة العلمية والثقافية أثرًا كبيرًا في نمو الدراسات الحديثية لاسيما ما
يتعلق بعلم الرجال، فقد اتسعت التآليف في ذلك العلم لتشمل أصحاب الكتب الستة
كلهم، حيث قام أبو القاسم ابن عساكر بتأليف كتابه النافع "المعجم المشتمل على
ذكر أسماء شيوخ الأئمة النبل" والذي جمع فيه شيوخ أصحاب الكتب الستة،
واقتصر عليهم دون الرواة الآخرين، وقد أورد التراجم فيه على سبيل الاختصار
الشديد، لذلك قام الحافظ الكبير أبو محمد عبد الغني القدسي بتأليف كتابه
"الكمال في أسماء الرجال" تناول فيه جميع الرواة المذكورين في الكتب الستة من
الصحابة والتابعين وأتباعهم إلى شيوخ أصحاب تلك الكتب الستة. وقد
اجتهد أن يستوعب جميع رجال هذه الكتب مبينًا أحوالهم من حيث الجرح
والتعديل.
وقد أجاد فيه الحافظ عبد الغني القدسي فامتدحه العلماء وأثنوا عليه. إلا أن
الحافظ عبد الغني رغم ما بذله من جهد في صناعة هذا الكتاب إلا أنه لم يستقصي
الأسماء التي اشتملت عليها هذه الكتب استقصاءً كاملًا، ولا تتبع جميع تراجم
الأسماء التي ذكرها في كتابه تتبغا شافيًا، فوقع له بسبب ذلك نقص وإخلال. مما دفع
بعض أولاده إلى محاولة استكمال ذلك النقص فكتب عدة أسماء التقطها من كتالي
"الأطراف" و"المشايخ النبل" للحافظ ابن عساكر، وقام باختصار بعض التراجم
اختصارًا مخلًا، فجاء عمله مفككًا، علاوة على ما فيه من أوهام شنيعة.
وهذا ما دفع الحافظ جمال الدين المزي إلى تهذيب كتاب الكمال، وإصلاح ما
وقع فيه من أوهام، واستدراك ما حصل فيه من النقص والخلل؛ فتتبع الأسماء التي
أغفلها الحافظ عبد الغني في الكمال، وأضاف إليها ما جمعه من مصنفات أخرى