الباب الثاني: كتاب تذهيب التهديب

ويشتمل على توطئة وأربعة فصول:

توطئة:

عُني الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين بالأخذ عن رسول الله؛ فسجلوا لنا كل

أقواله وأفعاله وحركاته وسكناته، بل سجلوا لنا أيضًا تلك الأمور الجبلية التي فطره الله

عز وجل عليها، مثل لون بشرته، وصفة قدميه وكفيه -صلى الله عليه وسلم-.

ولما لحق النبي -صلى الله عليه وسلم- بربه، وانتقل إلى الرفيق الأعلى، ترك خلفه ميراثًا عظيمًا من

العلم الرباني، والوحي الإلهي أمانة بين يدي الصحابة فازداد حرصهم على حفظ تلك

الأمانة والتحري والتثبت من كل ما ينقل عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والتأكد من صحته،

وصدق نسبته إليه.

ومن أمثلة ما جاء في التحري والتثبت عند الصحابة في قبول الأخبار ما رواه ابن

شهاب، عن قبيصة "أن جدة جاءت إلى أبي بكر تلتمس أن تورث. فقال لها: ما

أجد لك في كتاب الله شيئًا، وما علمت أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذكر شيئًا، ثم سأل

الناس فقام الغيرة فقال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعطيها السدس فقال له أبو بكر: هل

معك أحد؟ فشهد محمد بن مسلمة بمثل ذلك، فأنفذه لها.

وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه شديد التثبت فيما لِروى عن رسول الله؛

فقد روى الجريري، عن ألي نضرة عن أبي سعيدٍ "أن أبا موسى سلم على عمر من وراء

الباب ثلاثًا فلم يأذن له بالدخول فرجع، فأرسل عمر في أثره فقال: لم رجعت؟ قال:

سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: إذا سلم أحدكم ثلاثًا فلم يُجحب فليرجع. فقال عمر:

لتأتيني على ذلك ببينة أو لأفعلن بك، فجاء أبو موسى قومه منتقعًا لونه. فقالوا: ما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015