السنة، ثم إنه عقد صاحب الجلالة مؤتمراً دعا إليه العلماء والأمراء والقواد والرؤساء وبعض الإخوان والشيوخ وغيرهم من كل ناقم عليه منتقد لسياسته، فحضر أولئك المدعوون في أحد أروقة القصر الملكي، وبلغ عدد الحاضرين ثمانمائة من الطبقات، فلم يتخلف أحد من الرؤساء غير هؤلاء الثلاثة: وهم الدويش، وسلطان بن بجاد، وابن حثلين، وهؤلاء هم رؤساء الفتنة، وهم أقوياء كبار لهم أثر في الجزيرة، فعدم حضورهم والحالة هذه يدل على أنهم ينكرون سياسته ولا يريدون الاتفاق معه ولا الرضا بسلطانه، فعند ذلك تجلى صاحب الجلالة عبد العزيز أمام المؤتمر وأظهر شفقته على وطنه ومحبته لبلاده ورعيته وعطفه على شعبه، فاستمرت المجادلات وطالت المناقشات، ولم يترك الحضور باباً إلا بحثوه، والإمام لا يترك انتقاداً دون ما جواب، ولا رأياً دون ما نقد ولا حجة لا يقرعها بحجة أقوى وأضخم وأخيراً وقف يخطب الحضور فقال:
إني لم أطلب منكم أن تجتمعوا اليوم في هذا المكان خشيةً منكم، فإني قد أسست هذه المملكة بقدرة الله وحده الذي عاضدني وساعدني والذي كتب لي الفوز وكتب لي التوفيق، وإن خوفي من الله وحده، هو الذي حدا بي لأن أجمع شملكم اليوم لنتباحث معاً، وقد فعلت ذلك حتى لا أقع في نقيصة الإعجاب بالنفس والكبرياء، فذابت قلوب النجديين أمام أقوال هذا الرجل العظيم الذي يهاب الله إلى هذا الحد ويخشاه إلى هذا المقدار، ولا شك بأن هذا الملك موفق في كلامه موفق في أقواله وفي أفعاله بحيث ضرب على الوتر الحساس الذي يطرب له البدوي الذي كان يريد من قائده أن يكون باسلاً كل البسالة، واثقاً بنفسه كل الثقة، ولكن البدوي يريده أن يكون خاشعاً أمام الله كل الخشوع ورعاً كل الورع، جعل يتكلم صاحب الجلالة فسحر بكلامه مسامعهم وأدهشهم بفصاحته حتى بهر السامعين، واقتنع الجاهلين، وسكب العبرات من عيون الحاضرين، ثم قال: أيها الإخوان تعلمون عظم المنة التي منَّ الله بها علينا بدين الإسلام، إذ جمعنا به بعد الفرقة، وأعزنا به بعد الذلة، واذكروا قوله تعالى: {فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ}