الدولة العثمانية إذا هي بقيت على هذه السياسة، وإنه لا شك أن أجلها قريب وأنها تحفر قبرها لترقد فيه رقدةً أبديةً، وإن تلك الأملاك والولايات لا بد أن تؤول حينئذٍ إلى الدول الغربية المتربصة لتلك الرقدة، فرأوا من الواجب والنصح للشرق والعرب والإسلام أن يعملوا على تلافي هذا الخطر جهد الطاقة، فأسسوا الجماعات وأصدروا الصحف والمجلات والكتب في نصح السلاطين ومن التف حولهم، وتحذرهم من عاقبة هذه السياسة.

ولسوء الحظ لم يكن جزاؤهم إلا غيابات السجن بعد تعطيل صحفهم ومصادرة كتبهم، فرأوا أن الداء قد استحكم وأنه لا مفر من موت هذه الدولة العلية، فلا بد من العمل على إنقاذ الإسلام والعرب بطريقة تجعلها في مأمن من التأثر بهذه العاقة، وبجانب هذه الفكرة رأى جماعة آخرون العمل على إحياء هذه الفكرة الطورانية لأن تعلق تركيا يغير عنصرها الطوراني من العربي والفارسي وغيرهما هو الذي أنهك قواها وأضعف قوتها، وجد كلٌ في سبيل العمل إلى تلك الخطة، لأن الدولة الأجنبية لا تزهد في موت العرب والإسلام بذهاب الدولة العثمانية، ولكنه مع ذلك لم يحصل الناصحون على شيء، بل ولا ظفرت الحكومة من أمانيها بشيء، بل انتصرت عليها إيطاليا وذهبت طرابلس الغرب، وحصل غير ذلك من الحروب السياسية العظيمة في الخفاء توقد نارها إنكلترا وفرنسا وغيرهما من الدول التي تعلم حقيقة ما عليه الدولة العثمانية، فتريد التهامها وتقسيم تراثها.

وقد كان أمراء العرب الكبار ظلوا على الحياد في تلك الحرب ما عدا الإدريسي، فإنه حالف الأجانب على الأتراك، وما عدى الشريف حسين، فإنه حليف الدولة، وكان الإمام يحيى مع أنه عدو الإدريسي ظلَّ ساكنًا، فلم يغنم الفرصة للفتك بالأدارسة وأتباعهم، ولكنه أعلم الدولة بإخلاصه لها وإنه يأذن لعسكرها أن تجتاز بلاده لتسقط على الإدريسي من الجبال فتجتز شأفنه بحذافيرها.

فعند ذلك طلبت حكومة الأتحاديين المساعدة من ابن سعود، وتعهدت أن تقوم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015