بدون قتال، بل كان أهلها يرحبون به لعلمهم أن حليفه هو ابن سعود، أما ما كان من أمر ابن رشيد فإنه جعل يتقهقر حتى جر العدو إلى قلب القصيم، فوقف له بعد ذلك في الصريف التي يبعد 15 ميلًا من بريدة إلى جهة الشمال.
لما كان في 26 من ذي القعدة إلتقى الجمعان في ذلك الموضع واشتبكا في القتال، وكان الحاكم عبد العزيز بن متعب معه من الجنود ما يكافي به خصمه، فمعه عشرة آلاف مقاتل أو يزيدون، فجرت الملحمة طيلة ذلك اليوم، واستعرت نار الوغى، واصطلى بها الفريقان، ثم إنها انفصلت الواقعة بهزيمة ابن صباح وجنوده فولوا الأدبار بعد ما قتل منهم مقتلة كبرى، وكانت الواقعة من أعظم وقعات العرب الحديثة، ودارت فيها الدوائر على ابن صباح ومن معه، وأخذ منهم شيء كثير من عتاد الحرب والأموال، وعاد منهزمًا بمن سلم معه من الجيش إلى الكويت لا يلوي أحد على أحد، وقتل أخوه وابنه وقتل من الأعيان خلق كثير.
ولما ظفر ابن رشيد ذلك الظفر كان قاسيًا عتيًا، فتتبع الفلول المنهزمين وأوقع بهم إيقاعًا شديدًا، وقتلهم صبرًا، واستعمل شراسة نفرت القلوب من حكمه لأمر يريده الله تبارك وتعالى، ثم زحف ونكّل بأهالي نجد من البلدان الذين كانوا أسلموا إلى صاحب الكويت وأظهرو الميل إلى ابن سعود تنكيلًا فظيعًا.
وكان الأمير على بريدة من قبل ابن رشيد الرجل المدعو بالحازمي، وكان لما سمع بقدوم ابن صباح إلى الموضع المعروف بخب العكرش على قدر ميلين من بريدة إلى جهة الشرق، قام من مجلسه في فسحة ترادف المسجد الجامع من الشمال مبادرًا إلى قصر الحكم فدخله وجنوده وأغلقوا الباب، فقام أهل بريدة يرحبون بالإمام عبد الرحمن بن فيصل، وصفت الجنود للاستعراض، ودخل عبد الرحمن خلفه الجنود يصفقون فرحًا ثم ساروا إلى موضع الواقعة، ولما انفصلت عن تلك الصفة التي ذكرنا، أزال ابن رشيد الحازمي جعل مكانه سالم بن سبهان لما يعرفه عنه من شدة العسف والجبروت.