إلى أن ألزمت الدول بالمداخلة في هذه المسألة، وبذلك نتج إبرام معاهدة بين روسيا والصين تقتضي بجلاء الروس عن تلك المراكز في أجل معلوم، ثم حلّ الأجل ولم تفِ روسيا بوعدها بل كانت متهكمة في تعزيز قوتها في الشرق، فثارت لذلك خواطر اليابانيين، وبدأت من ذلك الوقت المخابرات وتبادل المذكرات بين الدولتين، وأخذت بعض الدول في التوسط في هذه القضية قصدًا لحسم النزاع بينهما، فلم يجد ذلك نفعًا.

وكانت الاقتراحات اليابانية تتوالى على أسماع الحكومة الروسية، وهي تعرض عنها كالمحاول مع استمرارها على التجهيزات الحربية وحشد الجنود الروسية وذخائرها إلى الشرق، فعلمت اليابان سوء مقاصدها وأصدرت منشورًا لرعاياها بإعلان الحرب على روسيا، وبعد محاورات بين الدولتين طويلة، ثارت نيران الوغى بين الفريقين، ودخلت الروس في ميدان الحرب بشمخ وعجب، وولجتها اليابان اضطرارًا للدفاع، وحينما شبت نار الحرب، انضمت الأحزاب اليابانية إلى اتحاد العضوية والاتفاق، خالية من جراثيم النزاع والشقاق، وامتشقت حسامًا في وجه روسيا لم يكن لها بحسبان، وهزت سنانًا كان له صدًا في ميدان الطعان، وسلكت معها خططًا حربية لم تخطر لها ببال غير آسفة على عزيز ولا ضانة بغال، وبعد أن انصبغت مياه البحار بخضاب دم الأبطال وغصت بجثثهم رحبان السهول وسفوح الجبال، واندمج هزيم رعد الجو بدوي المدافع التي كانت تقذف صواعق القنابل الماحقة، وغدت سحب دخانها تسح هواطل شهب الرصاصات الساحقة، واشتبكت بين الفريقين ملاحم شابت من هولها الولدان، ونفد من كنوز خزائن الدولتين الأحمران عادت الأمة اليابانية رافعة لواء النصر والظفر بين الأقران وباءت روسيا مكبلة بثياب الفشل والخسران آسفة على ضياع المليونات من الأموال وضحايا كرات الألوف من البشر، وفي ذلك عبرة لمن اعتبر، وذكرى لمن ذكر، وسقطت من أوج عزها الشامخ ورفيع مجدها الباذخ وخسرت أكثر سفنها الحربية غرقًا وتعطيلًا وغنيمة لليابانيين، ولم يبق سالمًا منها إلا القليل، ودلت النتيجة الحربية

طور بواسطة نورين ميديا © 2015