نجا إلا القليل، فإنه لم يرجع من أهل عنيزة الذين حضروا الواقعة سوى خمسين رجلًا، ولم يفلت من أهالي بريدة الحاضرين إلا القليل، وعادت على أهل القصيم بالتباب، وتم لابن رشيد الاستيلاء على نجد كلها، واستتب له الأمر فلا حول ولا قوة إلا بالله.
ومن نجا من القتل فإنه لم يسلم من الجراح المثخنة، ولما ظفر بن رشيد ذلك الظفر انتقل من معسكره ونزل العكيرشة على بئر لحسن بن مهنا تدعى بالرفيعة، وكان قد غضب على أهل القصيم وحلف بالطلاق أن يبيحها ويجوس خلالها، ويتبر ما على تتبيرا، وقد عزم جنوده على أخذ بريدة ونهب أموال أهلها والفساد فيها، وهابه أهل القصيم مهابةً شديدة فجعلوا يتوقعون ماذا يحله بهم من العقوبات، فخرج إليه الشيخ الكبير العالم النحرير محمد بن عبد الله بن سليم في موضعه ذلك، ولما أن رآه مقبلًا نحوه، أمر أن يجرد من ثيابه ويهان، فقام إليه الأعداء وفعلوا به ما قضت به إرادة الأمير، فلم يدعوا عليه سوى ما يساوي عورته، وكان إلى جانب الأمير محمد بن رشيد رجل يدعى السحيمي، فقام غيرةً لله ولأوليائه ونزع عباءته وكساها الشيخ، ولما جلس الشيخ بين يدي الأمير انتهره وأغلظ عليه في الجواب وجعل يتهدده ويتوعده، فتكلم بقوة وثبات قائلًا أيها الأمير يقول الله تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} وجعل يتلوا آيات العفو: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}، وكان للشيخ مهابةً عظيمة ولا يخاف في الله لومة لائم، وقد كساه الله حلة البهاء والوقار والهيبة، وجعل يقول يا ابن رشيد: اذكر قدرة الله عليك واعلم أنه من فوق الجميع، فبكى محمد بن رشيد، وقام مستويًا على قدميه يقول: اللهم إني قد عفوت يشير بيده إلى بريدة ويكررها، ثم جلس وقد ظفر غيظه وانكسرت حدته، فأكرم الشيخ وكساه وسأله عن يمينه بالطلاق، فأفتاه الشيخ ثم أذن بالانصراف إلى أهله نائلًا ما طلب وحلف أن لا يرجع إلا على متن فرسه الخاص فرجع الشيخ محفوظًا مرفوعًا ودافع الله عن المسلمين بمساعيه.