لا تخلف الميعاد، ونطالبك ربنا بالانتقام منهم كما وعدتنا، ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد، وأن تذيق من فعل ذلك أو سبب له أسبابًا من عذابك الأليم، وما كنت أظن من فعل ذلك الفعل الدميم إلا من خسر الدنيا والآخرة، وذلك هو الخسران المبين، وفقد دينه ومروءته وإنسانيته، وكنت ممن حج في هذا العام، فلما أن اتجهنا إلى جهة منى إذا الحجاج واقفين مدهوشين، وإذا سماء منى تثور دخانًا أسود ينقطع في الجو كالجبال السود، فقيل لنا حدث في منى حادث وتمزقت جثث من أراد الله هلاكه، وجرح خلائق واحترقت خيام حجاج بيت الله الحرام، وقد أغلق منى فلا يدخلها أحد سوى السيارات الوايتات لرش المياه على الحرائق، وسيارات الإسعاف لحمل الموتى وإنقاذ الجرحى، سبحانك هذا بهتان عظيم، فقامت الأمة تضرب أخماسًا بأسداسًا لا يملكون إلا دمعةً محرقة، فهذا مجروح بماله المحترق وأثاثه الذي قضى عليه الحريق، وخسره أهله، ومن الناس من فرَّ إلى مكة المكرمة واستأجروا بيوتًا بنفقات باهظة، حتى بلغ أحد البيوت لستة أيام قيمة ثلاثين ألفًا، فعياذًا بالله، وكنت أظن أنها لا حادثة تشبه هذه الحادثة سوى حادثة القرامطة عام 317 هجرية من كونهم قتلوا الحجاج وألقوهم ببئر زمزم، وقلعوا الحجر الأسود وباب الكعبة المشرفة، أين احترام حرم الله الذي حرمت أشجاره وطيوره احترامًا لتلك البقعة المقدسة، لقد تألمت الأمم الإسلامية لما جرى، وحدث من هذا الفعل الذميم، والأمر الشنيع، فرجعنا إلى مكة، ولما أن كان قبل الغروب خرجنا لمنى فقيل لنا الأمور على وضعها، ومنى مغلقة، ولم يستطع لا الدفاع المدني ولا رجال الأمن السيطرة على الحريق، كذلك البلديات قد وقفت ذاهلة متحيرة من عظم ما جرى، فرجعنا إلى مكة وخرجنا من صباح يوم عرفة إلى عرفة تاركين منى لأنه مخيف، وقد بلغ عدد الهلكى ما يزيد على خمسمائة قتيل وعدد الجرحى ثمانمائة أو يزيدون، أما الخيام التي احترقت فبلغت سبعين ألف خيمة على جهة التحقيق، ولا أكون متجاوزًا أو مبالغًا عما جرى من الحادث.