والثاني وكادت أن تستولي على الخط الثالث غير أن الغازي عثمان باشا وقع جريحًا فظنه قومه ميتًا وانتشر خبر موته بين الجنود العثمانية فثبطت هممهم وانحلت عزائمهم، ودخل الروسيون في هذه الأثناء بلفنة واضطر قواد الجيش العثماني للتسليم والإتفاق مع قوات الجيش الروسي على إيقاف الحرب بإلقاء الجيش العثماني للسلاح، وقد فقد الجيش الروسي في محاصرة بلفنة 38080 قتيلًا وفقد الجيش العثماني 15300 قتيلًا، ولم يعتبر رجال العسكرية في أوربا سقوط بلفنة انتصارًا للروسيين على العثمانيين، بل أعجب كل إنسان بالعثمانيين أكثر من إعجابه بالروسيين، فإن الروسيين عددهم كان مائة ألف وخمسين ألفًا والعثمانيين كانوا ثلثهم أي خمسين ألفًا، وكانت روسيا تأمل انتصارًا أعظم منها.
لما انتصرت روسيا على العثمانيين صنعت أنواع الفظائع بالجنود العثمانية، ففي هذه السنة وجدت معسكرًا يحتوي على مائة ألف من نساء الأتراك نازلا ببعض الأمكنة فما كان من جنود روسيا وأتباعها إلا أن فتكو بهن وطردوهن أمامهم على ثلوج نهر ميرتزا إلى جبال دورب حتى مات أكثرهن من البرد والجوع، وأصبحت بعض الأماكن التي تبلغ سبعين ميلًا، وكانت بالأمس مرتعًا للآلاف من العائلات، فأصبحت قاعًا صفصفًا خاوية على عروشها ليس فيها سوى جيف الموتى وعظام القتلى وبقايا المقتولين، فتحولت نضارتها السابقة إلى منظر مخيف وأطلال دواثر، وذلك من الفضائح المنكرة التي تقشعر من هولها الأبدان وينكرها أهل العقول من ذوي الأديان، حتى جاء في بعض الجرائد المتعلقة بهذا الموضوع.
وكانت هذه الجريدة تميل إلى روسيا غير أن هذه المرة تسخط من هذا الصنيع، قال وكنا نرى جثث الفلاحين مغطاة بالثلوج ولا شك أن بعضها قد لبث على هذه الحالة الشنيعة المحزنة أسبوعين أو ثلاثة ولم نزل آثار الدماء على ملابسهم وهكذا كنا نسير بين رمم القتلى وآثار الخيام والأرض حولها مغطاة بالجثث وبقايا المعسكرات كما تغطى بالفرش والبسط.