السكان من جهة، ومن جهةٍ أخرى هناك تقلبات وثوراث فيما بينهم، وكانت السودان قد أصيبت بمجاعة ونقص من الثمرات، وكثرة التقلبات.
لما أن كان في اليوم العشرين من شهر صفر من هذه السنة وقعت الثورة في السودان ضد البشير بأن قام الجيش على الحكومة، وجرت مذابح عظيمة سقط منها خمسة وثلاثون ما بين قتيل وجريح، وشرد مائة ألف فكانوا بلا مأوى، واشتد الأمر وعظم الخطب، ذلك بأن غالب الشعب لا يريدون حكم البشير، ولما جرت هذه الفادحة طلب الرئيس البشير من الأمم المتحدة التدخل في الموضوع لإخماد هذه الثورة والقضاء عليها، وبما أن أمريكا ضد البشير وربما أنها تمد الشعب الثائر فإن تلك الضجة لم تجد أذنًا صاغية، ولم تستجب الأمم المتحدة لذلك الطلب، فتأزمت الأمور جدًا، ولما لم يكن الرئيس البشير على وفاق بين العرب لخيانته وتقلباته فإنه وقع في الفخ ولم يحسدوه على ما وقع منه، وبما أن الثورات عليه كثرت، وكلما خمدت ثورة تلتها أخرى فإنه وقع في حيرة، وربما أنه يسقط، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وفي كلام الحكمة: "من كثرت أعداؤه فلا يأمن مصرعه، وفعلًا قد لا يسلم.
وقد امتحنت السودان بالزلزال المتقدم ذكرها وبالثورات التي أضعفتها مضافًا إلى ذلك الفيضان الذي تقدم ذكره، وكانوا يعيشون حينما انضمت السودان إلى مصر في أيام الملك فاروق برغد من العيش، ولكنها بليت بالثورات والتقلبات التي أضعفتها، وثار الجنوب ضد الشمال وحصل شقاق ونزاع، وقد قال الله تعالى: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} ولقد أحسنت المملكة السعودية إلى السودان وأرسلت إليها إعانات منها ثلاثة مستشفيات، ولكن الجميل كان ضائعًا بمثلهم، ولكنه لا يضيع الإحسان عند الله وإن ضاع عند بعض الناس كما قيل:
من يفعل الحسنات الله يشكرها ... لا يذهب العرف بين الله والناس