الرحمن الذين امتدحهم الله تعالى وسطًا بين الإسراف والتقتير فبما أن الله تعالى إذا أنعم على بعد أحب أن يرى أثر نعمته عليه.
ويقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه: "إذا أوسع الله عليكم فأوسعوا" فإن الإنسان لا يتجاوز به البطر والأشر إلى الإسراف في النفقة حيث يقول تعالى: {وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26)} (?) ويقول في مقام التأديب لعباده: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} (?) فنقول عن ذلك، لقد مر في سني (1347 و 1348 هـ) وما قبلها وما بعدها وما حواليها من السنين أنه قد لا يحصل الإنسان في السنة إلا على ثوبين ثوب في العيد عيد الفطر وثوب في الشتاء.
وكنت أذكر أن من الأغنياء البخلاء والمقتصدين من يشتري مشلحًا صفيقًا يلبسه في الشتاء والصيف فيكون صالحًا للفصلين لمدة عشر سنوات.
وقال لي أحد المسلمين الأغنياء إن هذا المشلح - ويشير إلى مشلح كان يلبسه في ذهابه وإيابه وخروجه ودخوله - إن هذا المشلح قد خبئه فلان لرجل ذكره قد توفي منذ ثماني عشرة سنة، وذلك في عام (1354 هـ) أي في سنة سبع وثلاثين بعد ثلاثمائة وألف، وكان بعد هذه المدة صالحًا للبس فهل هذا إلا من المبالغة في التقتير على النفس.
ثم إنها وصلت الأحوال في هذه السنة التي نحن بصددها وما قبلها وبعدها إلى أن كانت النساء تسير في أسواق البيع والشراء يطلبن كسوة فاخرة للزينة يوميًا أو أسبوعيًا، فهل هذا إلا من مشكلة الإسراف في الكسوة، وإذا لبست المرأة الثوب للزينة في إحدى المناسبات فإنها لا تلبسه مرة أخرى للمناسبات بل تشتري سواه.