عجزهم في الطب وكمال قدرة الله. وكان قاضي الخاصرة يقول عن الأمير: الحمد للهِ الذي وفقني لأمير تقي طبيب ومحسن وقاضٍ ومصلح وكريم. وكان قد جعل أكياس الأرز والسكر والهيل وصناديق الدهن وصناديق الشاي في الدهليز أمام رجاله وخدمه يتناولون ويأكلون ويشربون من غير مراقبة ومن جاء ضيفًا أو زائرًا فإته يتناول الطَّعام والشراب ويجد ترحيبًا وانبساطًا. فكان الأمير لا يمسك شيئًا مما أتاه الله. ولمَّا أن لبث في إمارة الخاصرة تلك المدة نقل إلى أكبر منها وهي إمارة عفيف حيث لبث فيه مدة أربع سنين وتوفي وهو على رأس العمل في هذه السنة. وكان إلى ذلك نزيهًا متعففًا نظيف الملابس كثير التطيب يشم منه دائمًا رائحة الطيب على البعد وله معاملة مع الله في صلاة الليل. وإنَّها لبادرة حسنة أن يكون من رجالنا وبني أوطاننا نحن العرب المسلمين من تشنف الأسماع بذكرهم ويسمر في أخبارهم.
وقد ذكرنا في هذه السنة ما حصل فيها من المؤامرات والثورات. ومما قال بعض الأدباء تبصرة وذكرى وتذكيرًا وتأسفًا، وهذا القائل يدعى حسن بن حامد المحضار وهي تغيض بالنعي للفضائل والديانة والأخلاق وكيف وصلت الأحوال إلى هذا الوضع:
درني لأمزج دمها بدمائي ... فلعلَّ في ذرف الدموع شفائي
إنِّي تأمَّلْتُ الحياة فلم أجد ... إلَّا عناء أخذًا بعناء
فسامتها حدثًا وعفت شؤونها ... في حين يجدر عيشها بولائي
ماذا رَأَيتُ رَأَيتُ كل كريهة ... شنعاء من حقد ومن بغضاء
ورأيتهم متنهمين لأكل لحـ ... ــم النَّاس أمواتًا بدون حياء
ورأيتهم أرخو العنان شقاوة ... لنفوسهم في الظلم والفحشاء
ورأيتهم طرحوا الفضائل والنُّهى ... ورضوا بكل رذيلة وعناء
ورأيتهم نبذوا الكتاب وحكمة ... سعيًا مع الشيطان والأهواء
وأشد ما أذى الفؤاد وغاظه ... قوم بلوا بالضعف والخيلاء