على الأرض. وقال: إجلس يا عبد الرحمن. فعلم والده أنَّ هنا بادرة. جلس الإمام عبد الرحمن الفيصل فقال عبد العزيز: أنت بين خطتين، إمَّا أن تأمر أحد عبيدك بانتزاع رأسي فأستريح من هذه الحياة، وإمَّا أن تنهض إلى مبارك بن صباح فلا تخرج من منزله إلاَّ بوعد في تسهيل خروجي للقتال في بطن نجد. فشقَّ ذلك على والده شفقة عليه لأنَّ الظروف لا تساعد على طلبه وذهب إلى أم الفتى يستعرض عليها ما وقد في قلب عبد العزيز فتوسطت أمه إلى أبيه لما ترى من نزعة الفتى وهي بين عاملين: حب الابن والإِشفاق عليه من تلك المغامرة لأنَّه يريد أن يزج نفسه في المعارك والنزول على طلبه لفتح الباب له على مصراعيه. فوافق الوالد على مضض لما رأى من تصميم عبد العزيز وسعى إلى مبارك يسأله تسهيل الأمر له ثم قال: يا عبد العزيز ترى أنَّ ليس لي قصد في الوقوف في سبيلك إلاَّ كما ترى من حالتنا، وبكى وذرفت عيناه بالعبرة ودعا له بالعزِّ والظفر فأعطاه مبارك بن صباح أربعين ذلولًا وثلاثين بندقًا ومأتى ريال وبعض الزاد. فخرج من الكويت بعدما استأذن أباه ليسمح له بهذا الخروج، فما كان يهاب موتًا ولا حلو الحياة ولا مرها إنَّما يهمه أن يرفض والده طلبه وهو لقاء الأعداء ومنازلة الخصوم، ذلك لما يكنه من الحب والاحترام والطاعة لأبيه. ولما سمح له ودعا له غامر ولاقى من الانتصارات عذبها ومن الانكسارات آلامها، فما اغترَّ بانتصار ولا هان لانسكار وكان إيمانه بربه يخلق في نفسه من الضعف قوة وإقدامًا. وأمام الشدائد والمحن ثباتًا ينبهر له عقل الحكيم. كان في الكويت لا يملك غير قوت يومه الذي يتناوله في بيت أبيه وآل رشيد لهم الحكم والسيطرة على نجد صنديدُهم عبد العزيز بن متعب قد ملك نجدًا بطولها وعرضها والدولة العثمانية بسلطانها تكتنف الجزيرة العربية من أطرافها والحكومة البريطانية وطريق الهند وأمراء العرب. فالدنيا كلها مقفلة بين عدو عنيد ورقيب عتيد ومشفق حاسد وهازئ ومستهتر حتى كان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015