وكنت أظن أن الله رد عليه قرضه بعد ثلاثة أشهر، ولما دفع الرجل إلى الوالد هدية جزاءً له على إحسانه ومعروفه ردها وأبى أن يقبلها.

ولقد أسكن أخاه وأخته في أبيات حسنة وجعل ينفق عليهما، ولما ماتا قبله طلب منا أن لا نضايق الذرية في إخراجهم من البيوت ما داموا محتاجين إلى السكنى، ولما وقعت المسغبة التي قدمنا ذكرها كان إذا خرج من بيته إلى السوق يحمل على رأسه الزبلان فيها التمر والدقيق يوزعه على من مرَّ به من الواقعين على ظهر الأرض من الجوع.

وكان يخرج إلى أصحابه وغرمائه فيحمل على دابتين طعامًا وكسوةً ولحمًا وقهوةً وسكرًا يكفي من يخرج إليه ضيافة ويزيد إلى ممر الأسبوع.

وأهدى له بعض أصحابه حمل بعير عشبًا طيبًا وجعل في أعلى الحمل جذعًا عظيمًا من الحطب الغضى، وكان يعجبه الشيء الحسن، فلما ورد عليه أعجب به وجعل ذلك الجذع فرجةً لأصحابه، ثم إنه دعا برسول المهدي وكان ابنه فناوله كسوةً لجميع عائلتهم ونصف ذبيحة كبش وقهوة وسكرًا وأرزًا وعشرة ريالات فرنسية، وكان الحمل لا يساوي خمس ذلك الجزاء.

وبعث أمير بريدة إلى فلاح يأمره أن يحمل إليه جميع ما لديه من الخضرة فإن عنده مائدة ضخمة، فقام الفلاح وحمل ما لديه على حمار قوي وأمر أكبر أبنائه أن يقصد به قصر الإمارة فتقفاه ابنه وأتى به إلى الوالد يقول هذا هدية من أبي فلان فأخذه الوالد وشدَّ على الحمار ما يطيقه من الحمل أرزاقا وكسوةً، فرجع الفتى إلى أبيه فسأله لما رأى الجزاء: قال يا بني أخزاك الله إلى من ذهبت به إليه؟ فأجابه قائلًا "عمنا عبيد" أما كنت بعثتني إليه؟ فتراجع الأب عندما رأى الأرزاق بين يديه وقال: أتدري يا بني أصبت والله في صنيعك ذلك، فقال له: يا أبت إنك غاوٍ في رأيك تريد بعثه إلى الأمير فلعله يسخطه ويستقله، وانظر الآن ما قابلك به هذا الجواد.

ودخل عليه مرةً رجل أشمط عليه سيماء الصلاح وأنا حاضر عنده في وقت المساء فسأله عن اسمه فعرفه الوالد بنفسه فقال: إني كنت البارحة نائمًا في سطح مسجد جامع بريدة فأتاني ملكان جلس أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي فقال لي أحدهما: بشر عبيد بن عبد المحسن بالجنة فقال الملك الآخر بم نال ذلك،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015