أجرته كاملة، فيأسف النجار عند دفعه الأجرة فيقول: هذه أجرتك فهي حقك يا ولدي فإن لم تأخذها لم نأت بك فيما بعد، فيأخذها على مضض، وكان رحمه الله وعفا عنه متواضعًا يحمل حوائجه على رأسه.

هذا وقد خدمته الليالي والأيام وقدمه الملوك والحكام وبذلت له ما لا يجري على الأوهام، فرد ما زاد على الكفاية، وأبى عليه فضله ودينه أن يكون مكاثرًا، فرحمة الله عليه من إمام عبر الدنيا وما عمرها، وقل والله من كان متصفًا بصفاته من علماء زمانه.

ذكر أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر وحلمه وعفوه وسعة رأيه

أما أمره ونهيه فقد كان على بصيرة يدعو إلى الله وما همه منصب ولا يراعي جانب أحد كائنًا من كان، وقد ساعدته الظروف من قبل صاحب الجلالة الملك عبد العزيز، فكان يرفع قدره وينفذ أوامره بسرعة، أضف إلى ذلك أن وافق زمانه في القضاء هدوء وسكينة وقلة مشاغبة، فكان يكفي أهل زمانه القليل أمرًا ونهيًا ولم يظهر في زمانه ما كان قد ظهر فيما بعد من كثرة الحيل وعدم الانقياد، وما ذاك إلّا لحسن نيته وخوفًا من سطوة الوالي.

فمن ذلك أنه مر عليه في الدرس أثر خلق الله ألف أمة وتكفل برزق الجميع، فأخذ يتكلم على هذا الأثر ملوحًا على المسافرين إلى بلدان الكفار فقال: خلق الله عز وجل ألف أمة، ستمائة في البحر وأربعمائة في البر وتكفل الله برزق الجميع إلى ابن أدم لا يرزق حتى يذهب الكفار ويكون حمارًا لهم، عياذًا بالله، وبكلامه هذا يشنع على الذين يذهبون إلى الكفار ويخدمونهم.

ونقل إليه بعض العامة يستعظم تكفير المسلمين، وإن فعلوا ما فعلوا، فلما جلس للتدريس والتف حواليه ما يزيد على أربعمائة ما بين متعلم ومستمع، أخذ يبين وجوب عداوة أعداء الله ويوضح تكفير الكافرين ثم قال:

غير أن أناسًا أعمى الله قلوبهم لا يكفرون الكافرين، وإذا لم يكفر من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015