ودخل عجل في المسجد الجامع حال التدريس فالتفت إليه بعض الطلاب، فأخذ الشيخ عصاه ونعاله وقام موليًا فلحقه التلامذة والإخوان يعتذرون، وإن الوالد من شيمته الصفح عن عثران أبنائه فقال: فاتكم مجلسنا يومكم هذا فالتفتوا إلى هذه البهيمة العجماء ودعوا العلم والمعلم، بقوله توبيخًا وتقريعًا.
أما ورعه فحدّث عنه ولا حرج، كان لا يمسك شيئًا في الدنيا غير كفايته، ولم يستقطع من الملوك الأراضي ولم يجمع مالًا لنفسه غير بيته الذي يسكنه، وإذا جاءه مرتبه وعنده شيء من بقية الأول فرق الأول.
وجاء إليه أهل هجرة من البدو يطلبون منه أن يجعل لديهم مطوعًا ديانته حقيقة صدقًا، وجعلوا يسألونه ويلحون فقال: يا هؤلاء إن وجدتم ذلك فاطلبوا لنا ولكم الله المستعان.
وطلب منه أهل هجرة مطوعًا عينوه، غير أنه لا يعرفه فقال: حتى نسأل عنه شيخه الذي يعرفه، يعني به أخاه عمر.
وأتاه رجل يسب وكيلًا وينال من عرضه لأمر لا يعنيه فقال له: كأنك تريد الوكالة لنفسك وتطلبها، فاستحيا الرجل وسكت.
وقال مرة لأحد كبار التلامذة أقرأ علينا بالفروع لابن مفلح نقرر ما نعرف منها وما لا نعرفه نكله إلى من يعرفه وهذا منه من باب الهضم لنفسه ورؤيتها بعين الاحتقار وإلا فهو العالم الكبير والبحر الغزير.
وكان من سجيته أنه لا يقبل هدية ولا يستجيب لأحد، بل كان يأكل في بيته ويقتصد في معيشته ويمازح إخوانه ويخفض لهم الجناح، وأوذي في ذات الله فصبر وارتفع شأنه وعلت رتبته فما بطر ولا تكبر بل يحب طالب العلم والمستفيد ويقرب الغريب.
وكان يأتي بالنجار إذا احتاج إليه ولو لعمل بسيط كإصلاح مفتاح، ورحى ونحو ذلك من الأمور الزهيدة، فيحضر عنده يحادثه، فإذا فرغ أطعمه وسقاه وأعطاه