فصاحب الشريعة، ومن تبع سبيله وسلك نهجه وترسم خطاه ولزم غرزه يقولون: أين الله. وأما هؤلاء فأهل أهواء، ليسوا على طريقة صاحب الشريعة صلى الله عليه وسلم، {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ} 1.
ولهذا فأهل الأهواء مغتاظون من هذا الحديث أشد الغيظ، فما أن تقرأه على أحدهم إلا وتراه اشمأز وانكمش وانقبض. ولأجل هذا اجتهد بعضهم في تضعيفه، واجتهد بعضهم في تحريفه، وسلكوا فيه مسالك شتى، وحالهم مع هذا الحديث هو حال أسلافهم مع كلِّ حديث لا يوافق أهواءهم، فقد ذكر ابن القيم رحمه الله أنَّه دارت بينه وبين بعض المتكلمين مناظرة في صفة الكلام، فقال هذا المتكلم:"نحن وسائر الأمة نقول: القرآن كلام الله لا ينازع في هذه الإضافة أحد، ولكن لا يلزم منها أن يكون الله بنفسه متكلماً ولا أنَّه يتكلم، فمن أين لكم ذلك؟ قال ابن القيم: فقال له بعض من كان معي من أصحابنا: قد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا تكلم الله بالوحي " 2، وقالت عائشة رضي الله عنها: " ولشأني كان أحقر من أن يتكلم الله فيَّ بوحي يتلى " 3. قال: فرأيت الجهمي قد عبس وبسر وكلح وزوى وجهه عنه كالذي شم رائحة كريهة أعرض عنها بوجهه، أو ذاق طعاماً كريهاً مراً مذاقه"4. فهذا شأن أهل الأهواء مع النصوص المخالفة لأهوائهم.