بخلاف أهل الأهواء والمبتدعة فإنهم يتكلفون إنشاء معتقدات من قبل أنفسهم، وبآرائهم وأهوائهم وتصوراتهم وظنونهم الفاسدة، وينشرونها بين الناس على أنها دين الله عز وجل الذي ينبغي أن يدان به.
فشتان بين هؤلاء وهؤلاء: {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} 1.فأهل السنة اعتقادهم مأخوذ من الكتاب والسنة، وأهل الأهواء اعتقاداتهم مأخوذة من تصورات فاسدة، وآراء منْحلَّة. ومن أراد معرفة الفرق بين الطريقتين فلينظر إلى كتب هؤلاء وكتب هؤلاء، فكتب أهل السنة في الاعتقاد: من أولها إلى آخرها قائمة على الدليل، تجد الإمام منهم يذكر العقيدة ويتبعها بدليلها من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. بينما أهل الأهواء لا يذكرون في ذلك أي دليل، ولا يعتمدون على حجة.
وبما أننا مع كتاب للحافظ عبد الغني المقدسي ـ رحمه الله ـ، فإني أذكر حول هذا الأمر قصتين لطيفتين في حياته هو رحمه الله.
الأولى: أنه وشى به بعض المبتدعة عند الملك الكامل، وقالوا: إنه فاسد المعتقد، وتكلموا فيه. فطلبه الملك العادل، وأُحضِرَ إليه، وأُمِر أن يكتب اعتقاده. فكتب: أقول كذا لقول الله: كذا، وأقول: كذا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذا. حتى فرغ من المسائل التي يخالفون فيها، فلمَّا وقف عليها الملك الكامل قال: إيش في هذا؟ يقول بقول الله عز وجل، وقول رسوله صلى الله عليه وسلم. فخلى سبيله 2. وعرف أن هذه وشاية حاسدين؛ لأنه وجد أنَّ كل كلمة يقولها في معتقده مقرونة بدليلها من كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم.