" واحتج أحمد " أي: إمام أهل السنة الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ، وله في هذه المسألة بلاء حسن، وجهد مبارك في تقرير الحق وإبطال الباطل، وامتحن في ذلك وابتلي ابتلاء عظيماً، والله عز وجل أيد به الحق ونصره.

" على ذلك " أي: على ما قرره أهل العلم من أنَّ كلام الله غير مخلوق، وأنه منه بدأ. احتج على هذا بأدلة، منها:

" بأنَّ الله كلم موسى، فكان الكلام من الله والاستماع من موسى " يشير ـ رحمه الله ـ إلى قوله تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} ، وقد تقدم الكلام على هذه الآية، وأنها تدل على أنَّ الله موصوف بالكلام، وأنَّ موسى سمع كلام الله من الله.

والجهمية الضُّلاَّل يقولون: إنَّ موسى سمع الكلام من الشجرة، وأنَّ الله خلق الكلام في الشجرة. إذاً ما معنى موسى كليم الله، بل أصبح ـ بزعمهم ـ كليم الشجرة!! ، وأي منقبة خُصَّ بها إذا كان إنما سمع الكلام من الشجرة؟! وهل يمكن أن تقول الشجرة لموسى: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} 1، هل يمكن أن يصدر هذا الكلام من غير الله؟! ولهذا قال السلف: من قال: إن قوله: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} قالته الشجرة أو جبريل فهو كافر.

" وبقوله عز وجل: {وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي} " مني أي: منه بدأ، تكلم به هو سبحانه وتعالى.

والقول وصف لا يقوم بنفسه، بل لا يقوم إلا بموصوف. وما يقال فيه: " من الله " هو على نوعين:

1ـ أعيان قائمة بنفسها، مثل قوله تعالى: {سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ} 2، فما في السماوات وما في الأرض أعيان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015