التالي، ومع ذلك لم يخرج عن كونه كلام الله. فالآية شاهد واضح على أنَّ كلام الله أينما توجه يبقى كلامه سبحانه وتعالى. قال أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان:"أدركنا العلماء في جميع الأمصار: حجازاً وعراقاً وشاماً ويمناً، فكان من مذهبهم: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، والقرآن كلام الله غير مخلوق بجميع جهاته"1. أي: سواء تلي بالألسن، أو حفظ في الصدور، أو كتب في السطور، أو سمع بالآذان؛ لأنَّ الكلام ينسب لمن قاله ابتداء لا لمن نقله أداء. ولهذا يقول السلف في مثل هذا المقام: الكلام كلام الباري والصوت صوت القاري.
ولهذا قال المصنف مؤكداً على هذا المعنى: " وإنما سمعه من التالي " أي مع سماعه من التالي لا يخرج عن كونه كلام الله.
" وقال الله عز وجل: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ} " فكلام الله الذي يريدون تبديله كلام مكتوب، فحال كتابته سمي كلام الله.
" وقال عز وجل: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} " ففي الآية دلالة على أنَّه كلام منزل، تكلم الله به فوق عرشه في علوه، وسمعه منه جبريل ونزل به إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
" وقال عز وجل: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ} " وإنَّه أي: القرآن، والروح الأمين: هو جبريل، وإنما سمي بالروح لأنَّه ينزل بالوحي الذي به حياة القلوب. ولهذا فإنَّ الوحي كذلك يسمى روحاً، كما قال تعالى: {ينزل الملائكة بالروح من أمره} 2، وقال: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا} 3.