الكمال أولى بالكمال ولله المثل الأعلى. ولهذا نعى تبارك وتعالى على أهل الجاهلية وذم المشركين في عبادتهم للأصنام بأنَّهم يعبدون ما لا يرجع إليهم قولاً أي: لا يتكلم، فقال سبحانه: {أَفَلا يَرَوْنَ أَلا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً} 1، فمن لا يتكلم لا يصلح أن يُعبد. والمبتدعة يدَّعون في معبودهم الرب العظيم أنَّه لا يتكلم وأنَّ الكلام لا يليق به، وفي كلامهم إخلال بالرسالة والرسل؛ لأنَّ مهام المرسلين إبلاغ كلام مرسِلهم، فإذا قيل: إنَّ المرسِل لا يتكلم فما شأن المرسلَين وما مهمتهم؟!
" مفهوم " أي أنَّ كلام الله عز وجل ألفاظ لها معان، وليست ألفاظاً مجهولة، بل له دلالة تفهم، كما دلت عليه الآيات الكثيرة التي فيها الحث على تدبر كلام الله، كقوله تعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} 2، وقوله سبحانه: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} 3، وقوله: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ} 4. ولو لم يكن مفهوماً لما أمر الناس بتدبره، إذ الأمر بتدبره ـ على هذا ـ أمر بما لا يطاق.
وفي هذا رد على المفوضة: مفوضة المعاني، الذين يدعون في نصوص الصفات أنَّها غير مفهومة المعنى، فكيف يقال عن أشرف ما في القرآن وهو وصف الرب جل وعلا أنه غير مفهوم المعنى.
" مكتوب " أي:كلام يُكتب، وجاء في الحديث الذي سبق:"لما خلق الله الخلق كتب في كتاب، فكتبه على نفسه، فهو موضوع عنده على العرش: إنَّ رحمتي تغلب غضبي"فكلامه تبارك وتعالى يكتب، منه ما كتبه هو سبحانه بيده كالتوراة، ومنه ما سمعه منه جبريل وبلغه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأخذه منه