اللفظ: " ينزل ربنا " فلو كان الذي ينزل غير الله: إما الملَك، أو الرحمة، أو الأمر، أو غير ذلك مما يدعيه معطلة هذه الصفة، لكان اللائق بنصح النبي صلى الله عليه وسلم وبيانه وفصاحته أن يقول ـ في كلِّ مرة ـ: ينزل ملَك ربنا، أو يقول: تنزل رحمة ربنا، أو يقول ذلك على أقل تقدير في بعض المرات حتى يحمل هذا على هذا. أما أن يسمع الجميع منه هذا الحديث بلفظ: " ينزل ربنا "، وهو يقصد أن الذي ينزل غير الله، إما ملَك الله أو رحمته أو أمره، فلا يمكن ذلك؛ فإنَّ الخطاب بهذه الطريقة وهذا الأسلوب فيه تعمية على الناس، وهو أشبه بالألغاز والأحاجي منه بالنصح والبيان.
فهل يُعقَل أن يقول مدرس لطلابه: جاء الأستاذ. وهو يقصد: جاء أخوه؟ أو يقول: جاء الطالب. وهو يقصد: جاء والد الطالب. ولا يكون في كلامه أيُّ قرينة يفهم منها السامع أن الذي جاء والد الطالب، ويريد أن يفهم المخاطبون أن الذي جاء هو والد الطالب. هل هذا يكون بياناً وإيضاحاً؟!
عددٌ كبير من الصحابة يصلون إلى ثمانية وعشرين صحابياً ـ كما ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله 1 ـ يقول لهم النبي صلى الله عليه وسلم: " ينزل ربنا " " ينزل الله عز وجل "، كلُّهم يسمعونه بهذا اللفظ، وهو عند هؤلاء المتكلمين يقصد أن الذي ينزل هو الملَك.
أيليق بنصح النبي صلى الله عليه وسلم ـ إذا كان الذي ينزل الملك أو الرحمة، وليس الرب ـ أن يقول لهذا العدد الكبير من الصحابة، وفي أوقات مختلفة: ينزل ربنا. والذي ينزل غير الله؟! هذا يتنافى مع كمال نصح النبي صلى الله عليه وسلم، بل فيه طعن في نصحه صلى الله عليه وسلم.